الكرملين: مشاركة الأوروبيين في مفاوضات أوكرانيا "لا تبشّر بالخير"

logo
العالم

مشروع معقّد.. كيف تخطط موسكو لاستقطاب "دماغ" ترامب الاستثماري؟

دونالد ترامب وفلاديمير بوتينالمصدر: (أ ف ب)

رأى خبراء في العلاقات الدولية أن موسكو تسعى إلى دغدغة مشاعر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ومراوغة تفكيره الاستثماري، باعتباره رجل أعمال في الأساس، وذلك من خلال المشروع الذي أُعيد إحياؤه مؤخرًا، والمعروف بـ "ممر بوتين – ترامب"، الذي يربط روسيا بألاسكا.

وأشار الخبراء إلى أن لهذا المشروع دلالات رمزية، تتماشى مع ما يفضله الرئيس الجمهوري، المعروف برغبته في الظهور بثوب الرجل المنجز، وصاحب المبادرات التي تعود بالمكاسب على بلاده.

وفي تصريحات لـ"إرم نيوز"، أوضح الخبراء أن موسكو تحاول استثمار اهتمام ترامب المتزايد حول العالم في مجالات مثل: المعادن الأرضية النادرة، والنفط، والغاز، وتكنولوجيا الفضاء، وذلك عبر مشروع من شأنه جذب اهتمامه الاستثماري.

تضارب في التكلفة

في المقابل، نبّه الخبراء إلى أن تنفيذ نفق يتجاوز طوله 100 كيلومتر في بيئة جليدية وزلزالية يُعد من أعقد المشاريع الهندسية عالميًا، بتكلفة قد تصل إلى مئات المليارات من الدولارات.

وأكدوا أن الأرقام المتداولة، حاليًا، عن التكلفة "غير دقيقة" وأقرب إلى "دعاية سياسية" منها إلى تقديرات واقعية، خاصة في ظل العقوبات الغربية المفروضة على روسيا، والتي تجعل من شبه المستحيل تأمين التمويل أو الحصول على التقنيات الغربية المتقدمة اللازمة لإنجاز مشروع بهذا الحجم.

وكان ترامب قد اعتبر فكرة إنشاء نفق تحت البحر يربط روسيا بألاسكا "مثيرة للاهتمام"، خاصة أن الفكرة قديمة – جديدة، وتشمل إلى جانبها مشاريع اقتصادية مشتركة، من بينها شراكات في قطاع الطاقة، وإمكانية انضمام شركات أمريكية لمشاريع الطاقة الروسية في القطب الشمالي، وغيرها.

رجل الظل بين موسكو وواشنطن

وقال الدكتور أصف ملحم، مدير مركز "جي إس إم" للأبحاث، إن من اقترح الفكرة هو كيريل ديميترييف، والذي يُعرف بأنه "رجل الظل" في المحادثات الروسية الأمريكية حول أوكرانيا، وله علاقات جيدة مع عدد من المسؤولين الأمريكيين.

وأشار إلى أن الروس يحاولون دغدغة عقل ترامب الاستثماري، خاصة في ظل اهتمامه الواسع بالمعادن النادرة، والنفط، والغاز، والفضاء.

وأضاف ملحم أن هذا المشروع يمكن ربطه بثروات القطب الشمالي، حيث تطور موسكو ما يعرف بـ "الممر البحري الشمالي"، وهو ممر يربط فعليًا بين المحيطين الأطلسي والهادئ، ويُعد أقصر الطرق بين آسيا، وأوروبا، وأمريكا الشمالية.

وفي هذا السياق، يأتي الممر المقترح – الذي طرحه ديميترييف – كامتداد إستراتيجي لهذا الطريق، مما يجعل شمال شرق روسيا قاعدة لوجستية لنقل الموارد المتنوعة التي يزخر بها القطب الشمالي، مثل: النفط، والغاز، والفحم، والمعادن.

علاقة أوكرانيا بالمشروع

وأوضح ملحم أن المشروع يثير اهتمام ترامب، ويبدو أن موسكو تحاول من خلاله فصل ملف أوكرانيا عن العلاقات الروسية الأمريكية.

ورأى أن تسمية المشروع بـ"ممر ترامب – بوتين" تحمل دلالة رمزية، حيث يعكس ذلك صورة ترامب كمبادر ومنجز، وهو ما يستهويه سياسيًا.

ولفت إلى أن الاقتصاد الروسي، رغم متانته، بدأ يشهد تراجعًا منذ بداية العام، ما يدفع موسكو للسعي نحو شراكات اقتصادية جديدة مع واشنطن بعيدًا عن الملف الأوكراني.

أما بشأن التمويل، فأوضح ملحم أن معظم البنوك الغربية توقفت عن التعامل مع روسيا، لكن لا تزال هناك مؤسسات مالية، مثل بنك "رايفايزن" المجري، تعمل في السوق الروسية، فضلًا عن وجود "طرق بديلة" لتحويل الأموال سواء رفُعت العقوبات أم لا، ما يُبقي الباب مفتوحًا للمضي قدمًا في مشاريع من هذا النوع.

التأثير على الصين

وأشار ملحم إلى أن المنطقة الجغرافية بين روسيا وألاسكا بعيدة عن التأثير الأوروبي المباشر، لافتًا إلى أن أوروبا لا تملك أدوات فعلية تمنع تقاربًا أمريكيًا–روسيًا خارج إطار الأزمة الأوكرانية.

وذكر أن إدخال ترامب على خط الممر البحري الشمالي، هو بمثابة مناورة روسية لإظهار أن القوى الكبرى الثلاث – روسيا، والصين، والولايات المتحدة – تتقاسم النفوذ، وتضع تصورًا لمستقبل النظام العالمي.

وبهذا، تسعى موسكو إلى خلق واقع اقتصادي جديد، تُهمَّش فيه الأزمة الأوكرانية، بينما يظهر ترامب وكأنه صاحب إنجاز استثماري غير مسبوق في التاريخ الحديث، وفق قراءته.

إرث الحرب الباردة

من جانبه، قال الدكتور سعيد سلام، مدير مركز "فيجن" للدراسات، إن إعادة طرح مشروع النفق الذي يربط روسيا بالولايات المتحدة عبر مضيق بيرينغ، رغم كونه مشروعًا هندسيًا طموحًا، إلا أنه يحمل أبعادًا سياسية ورمزية تفوق الجوانب التقنية.

وفي تصريحات لـ"إرم نيوز"، أشار سلام إلى أن إحياء فكرة "جسر السلام" يعيد إلى الأذهان زمن الحرب الباردة، حين طُرحت كمبادرة رمزية لتقريب المسافات بين قوتين نوويتين.

وفي ظل العزلة الدولية التي تواجهها موسكو اليوم بسبب حربها في أوكرانيا، يبدو أن إعادة تسويق المشروع تحمل رسالة مفادها: "حتى في ذروة الصراع، يمكن التفكير في الوصل لا القطيعة".

تهديد إضافي لكييف

وبحسب سلام، فإن واشنطن تعاطت مع المقترح الروسي بـ"خفة محسوبة"، إذ اكتفى الرئيس ترامب بوصف الفكرة بأنها "مثيرة للاهتمام"، دون التزامات.

في المقابل، جاء رد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي حاسمًا ورافضًا، ما يعكس قلق كييف من أي تقارب أمريكي – روسي غير مشروط، إذ تعتبره بمثابة تهديد إضافي.

وأردف سلام أن الفكرة – رغم جاذبيتها الخطابية – تصطدم بالواقع الصعب، لا سيما أن تنفيذ نفق بهذا الحجم في بيئة جليدية وزلزالية يحتاج إلى موارد ضخمة وتقنيات متقدمة وتمويل هائل، ما يجعل الأرقام المتداولة "أقرب إلى الدعاية منها إلى الحقيقة"، خاصة في ظل القيود المفروضة على روسيا.

بالون اختبار

إستراتيجيًا، استبعد سلام أن يُنظر إلى مشروع النفق كخطة تنفيذ حقيقية في الوقت الراهن، مرجحًا استخدامه كـ "بالون اختبار" لقياس ردود الفعل وفتح نقاش حول فكرة السلام، في وقت تتعقد فيه معطيات الحرب، وتتضاءل فرص الحلول.

أخبار ذات علاقة

خامنئي وبوتين

من أجل "وساطتين".. إيران تخطط لاستعادة التقارب مع روسيا

وخلُص سلام إلى أن "نفق روسيا – ألاسكا" ليس مجرد مشروع هندسي، بل يمثل مرآة للصراع الدولي الراهن، حيث تُستخدم الفكرة للحديث عن المستقبل، لكنها تكشف – في الوقت ذاته – عمق الانقسام، وصعوبة بناء أي جسر، قبل حسم معركة الحاضر.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC