جددت إيران محاولاتها للتقرّب من روسيا، مع احتدام الجدل في الداخل حول موثوقية موسكو، وسط تكهنات عن لعب الكرملين دوراً في الوساطة بين طهران وتل أبيب لتفادي حرب جديدة، وأخرى مع الرئيس السوري، أحمد الشرع.
وفي توقيت لم يخضع للمصادفة، وفق تقرير لموقع "المونيتور"، فقد التقى رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني، علي لاريجاني، بالرئيس فلاديمير بوتين، في موسكو هذا الأسبوع، لتسليمه رسالة المرشد الأعلى الإيراني.
والزيارة التي لم تكشف عنها وسائل الإعلام المحلية إلا بعد انتهائها، تؤكد اعتماد طهران المتزايد وغير المستقر على روسيا، في الوقت الذي تعمل فيه عمليات إعادة التنظيم بعد حرب الـ 12 يوماً في يونيو/ حزيران الماضي، على إعادة تشكيل التوازن الإقليمي.
ووفقاً لوكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا)، ناقش لاريجاني وبوتين العلاقات الثنائية والتعاون الاقتصادي والتطورات الإقليمية والشؤون الدولية. ولم تُنشر تفاصيل دقيقة حول رسالة خامنئي وأي اتفاقيات ملموسة.
قبل أسبوع واحد من اللقاء، كشف بوتين علناً أن القيادة الإسرائيلية أبلغته بعدم نيتها خوض مواجهة أخرى مع إيران؛ إذ قال زعيم الكرملين في قمة آسيا الوسطى وروسيا في دوشنبه في 9 أكتوبر/تشرين الأول: "نواصل اتصالاتنا القائمة على الثقة مع إسرائيل"، مضيفاً أن القادة الإسرائيليين طلبوا من موسكو إيصال هذه الرسالة إلى المسؤولين الإيرانيين.
وعوملت تلك التصريحات على نطاق واسع في وسائل الإعلام الإيرانية كدليل على تنامي دور موسكو كوسيط بين الخصمين الإقليميين.
كما كان للتوقيت دلالة أخرى؛ إذ جاءت زيارة لاريجاني أيضاً في أعقاب اجتماع رفيع المستوى بين بوتين والرئيس السوري أحمد الشرع، لتزداد التكهنات في إيران بأن الكرملين ربما يسعى إلى وضع نفسه كوسيط رئيس في ترتيب إقليمي محتمل يهمش طهران.
وعلى هذه الخلفية، ضجت وسائل الإعلام الاجتماعية الإيرانية بنظريات أخرى، بما في ذلك قيام بوتين بالتوسط في مسار دبلوماسي أوسع يشمل إيران وسوريا وربما إسرائيل، مع تسليط الكثيرين الضوء على الوجود المتزامن تقريباً للاريجاني والشرع في روسيا.
ويعتقد مراقبون مخضرمون في إيران، أن زيارة لاريجاني تندرج ضمن النمط المألوف لمهامه الرفيعة المستوى "الغامضة" التي تهدف إلى الحفاظ على أهمية طهران، وسط التطورات الإقليمية التي لم تعد قادرة على السيطرة عليها بالكامل.
ورغم الزخم الدبلوماسي، إلا أن الطبقة السياسية في إيران انقسمت مجدداً بشأن موثوقية روسيا؛ إذ لا تزال العلاقة متوترة، على خلفية اعتقاد الكثيرين أن الكرملين تخلّى عن طهران في صراعها المسلح مع إسرائيل في يونيو الماضي، رغم ما قدّمته لموسكو طوال سنوات الحرب مع كييف
وينظر الإصلاحيون والمعتدلون في إيران إلى روسيا كـ "قوة أنانية"، تستخدم طهران كورقة مساومة في حساباتها العالمية ومواجهاتها مع الغرب. في المقابل، يرى المتشددون موسكو حليفاً استراتيجياً في صراع مشترك ضد الهيمنة الأمريكية.
ويتمحور الجدل داخل إيران حول تحدٍّ رئيس، وهو كيفية التعامل مع روسيا دون الخضوع لها، إضافة إلى التعاطي مع التحولات الإقليمية التي تتفاقم بشكل متزايد خارج نطاق سيطرة طهران.
وقال وزير الخارجية الإيراني الأسبق ومهندس الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 محمد جواد ظريف خلال مؤتمر أكاديمي في مدينة تبريز يوم الخميس: "روسيا دولة مهمة في محيطنا"، مستدركاً أن لدى موسكو خطا أحمر، وهو "ضمان عدم قيام إيران ببناء علاقات سلمية مع العالم الخارجي".
وتواصل طهران تعزيز شراكتها مع موسكو حتى في الوقت الذي تشعر فيه بقلق هادئ إزاء احتمال إبعادها عن الهندسة الدبلوماسية الجديدة، وخاصة تلك الناشئة عن وقف إطلاق النار الأخير في غزة والتعديلات التي أعقبت يونيو/حزيران .
لكن نفوذ موسكو المتنامي يكشف أيضاً عن حدود طهران، فبينما قد يوصل بوتين رسائل بين إيران وإسرائيل، فإن الكرملين، وحده هو من يتحكم الآن في وتيرة الاتصالات.