قالت صحيفة "الغارديان" البريطانية إن رؤية دونالد ترامب للسلام، أي فكرة أن الولايات المتحدة تستطيع فرض النظام على العالم بالإكراه، تواجه لحظة الحقيقة في أوكرانيا وغزة وإيران.
وكان هدف الولايات المتحدة إبقاء مجموعات المفاوضات الثلاث المتزامنة منفصلةً تمامًا، وأن تُشكل، قدر الإمكان، نتائجها بمفردها.
وقالت الصحيفة إنه رغم أن كلًا من الصراعات الثلاثة منفصل عن الآخر من حيث أسبابه وسياقاته وديناميكياته المميزة، إلا أنها تزداد تشابكًا مما بدا واضحًا في البداية، ويعود ذلك جزئيًا إلى وجود مقاومةٍ شديدةٍ في أوروبا وأماكن أخرى للنظام العالمي الذي يتصوره ترامب، وأساليبه المعتمدة.
وذكرت الصحيفة أنه في الدبلوماسية، لا شيء مُحكم الغلق، فكل شيء مترابط، لا سيما أن هناك رابطًا مشتركًا بين المحادثات الثلاثة يتمثل في شخصية مطور العقارات ستيفن ويتكوف، صديق ترامب المقرب الذي يقود المحادثات الأمريكية في كل حالة، متنقلًا بين موسكو ومسقط.
وقالت إن حل هذه الصراعات الثلاثة في آنٍ واحدٍ مهمةٌ شاقةٌ على أي شخص، لكنها مهمةٌ شاقةٌ بشكل خاص على رجلٍ جديدٍ تمامًا على الدبلوماسية، وبالحكم على بعض ملاحظاته، فهو جديدٌ أيضًا على التاريخ.
ولفتت إلى أن ويتكوف يتمتع بنقاط قوة، ليس أقلها أنه يحظى بثقة ترامب، كما أنه يعرف عقلية الرئيس.. إنه مخلصٌ لدرجة أنه يعترف بأنه كان يُقدّس ترامب في نيويورك بشدة، لدرجة أنه تمنى أن يصبح مثله، فهو لن يسعى وراء أي أجندة أخرى سوى أجندة الرئيس.
لكنه أيضًا مُرهَق، وهناك مشاكل أساسية تتعلق بالكفاءة، ولا يزال هناك نقص في الموظفين ذوي الخبرة في وزارة الخارجية، وفق الصحيفة.
وتابعت: "ببساطة، لا يمتلك ويتكوف الذاكرة المؤسسية التي يمتلكها نظراؤه في إيران وإسرائيل وروسيا".
ونقلت عن دبلوماسي أوروبي غاضب قوله: "يبدو الأمر كما لو أن ويتكوف يحاول لعب الشطرنج ثلاثي الأبعاد مع أساتذة الشطرنج الكبار على ثلاث رقعات شطرنج في آنٍ واحد، دون أن يكون قد لعبها من قبل".
ويدرك ويتكوف أنه بحاجة إلى ضمان فوز دبلوماسي لرئيسه المتعجل، لكن كلما طال أمد الصراعات الثلاثة، وتشابكت مع بعضها البعض، ازداد التشكيك في مصداقية ترامب.
ووفق الصحيفة، فإن الخطر الذي يواجه ترامب هو أن قراره بمعالجة الكثير من الأمور بسرعة لا ينتهي إلى إظهار القوة الأمريكية، بل على العكس من ذلك، التآكل العلني لقوة عظمى.
وفي عجلة من أمره لإبرام اتفاق مع إيران خلال شهرين، منع ترامب، على عكس جميع المحادثات النووية السابقة مع طهران، المصالح الأوروبية المعقدة من غرفة المفاوضات.
ومما يُريح إيران، أن ويتكوف لم يطرح أجندة تتجاوز منع إيران من امتلاك قنبلة نووية، ولم يُثر مسألة إمداد إيران لروسيا بالطائرات بدون طيار لاستخدامها في أوكرانيا، كما لم يطرح مطالب بوقف إيران لإمدادات الأسلحة لوكلائها الذين يقاتلون إسرائيل.
وأثار هذا قلق إسرائيل، وبدرجة أقل أوروبا، التي ترى في رغبة إيران برفع العقوبات فرصة نادرة لانتزاع تنازلات من طهران، وفق الصحيفة.
وتابعت: "لكن إذا كان ترامب قد أغضب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشأن إيران، فهو يُرضيه بإعطائه كل ما يطلبه بشأن غزة".
وفي البداية، حظي ويتكوف بإشادة واسعة لحزمه مع نتنياهو في اجتماعه الأول في يناير/ كانون الثاني.
وزُعم أن ويتكوف أمر الرئيس الإسرائيلي بمقابلته يوم سبت في خرقٍ لشعائر السبت، ووجّهه للموافقة على وقف إطلاق النار الذي رفضه فريق الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن لأشهر.
لكن نتنياهو وجد مبررًا لعدم بدء محادثات المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار.
وقدّم ويتكوف تنازلات لتمديد وقف إطلاق النار، لكن نتنياهو رفضها، واستأنف هجومه على حماس في 19 مارس/آذار.
والآن، يُبرز رفض ترامب ممارسة أي ضغط على إسرائيل لرفع حظرها المستمر منذ ستة أسابيع على دخول المساعدات إلى غزة الخلاف الأوروبي مع ترامب.
وفي المقابل، التزم ويتكوف الصمت حيال مصير غزة وانهيار "وقف إطلاق النار الملحمي" وفق الصحيفة.
وإذا كان الدبلوماسيون الأوروبيون يعتقدون أن ويتكوف كان ساذجًا في تعامله مع نتنياهو، فإن هذا لا يُقارن بالازدراء الذي يحملونه لتعامله مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وبحسب الصحيفة، يعود الغضب جزئيًا إلى اعتقاد الأوروبيين أنهم، بعد الخلاف العلني بين الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وترامب في المكتب البيضاوي، أعادوا مكانة أوكرانيا في واشنطن بإقناع كييف بدعم وقف إطلاق النار الكامل الذي اقترحته الولايات المتحدة لأول مرة في 11 مارس/ آذار.
كما أتاحت المحادثات التي عُقدت في باريس الأسبوع الماضي بين وزير الخارجية الأمريكي، وقادة أوروبيين، لأوروبا فرصةً لتوضيح أن بوتين هو من يُماطل في وقف إطلاق النار.
ولكن بدلًا من ممارسة أي ضغط مُوازٍ على روسيا لقبول وقف إطلاق النار، غيّر ويتكوف استراتيجيته.
وعلى حد تعبير برونو تيرترايس، الزميل غير المقيم في معهد مونتين، فإن ويتكوف "يُقدّم الآن خطة سلام نهائية، تصبّ في مصلحة المُعتدي، حتى قبل بدء المفاوضات، التي كان من المُقرر إجراؤها بعد وقف إطلاق النار" بحسب تعبيره.
ووفق الصحيفة البريطانية، "سيكون هذا عصرًا من التواطؤ بين القوى العظمى، وليس تنافسًا بين القوى العظمى، حيث ستكون غزة وإيران وأوكرانيا مواقع يمكن للولايات المتحدة وروسيا الاستفادة منها".