منذ أشهر قليلة، تصاعدت التحذيرات الغربية من قوة مفرطة بات تتمتع بها جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، المرتبطة بالقاعدة، في غرب أفريقيا، لتوصف بحسب تقرير لصحيفة "واشنطن بوست بأنها "القوة المسلحة الأكثر تسليحاً في منطقة الساحل"، بل و"من بين أقوى الجماعات المتطرفة في العالم".
وباتت مالي، بموقعها الاستراتيجي، عرضة للسقوط تحت سيطرة الجماعة المتطرّفة التي تسيطر حالياً على مساحات شاسعة من البلاد، وتحاصر الحكومة اقتصادياً وعسكرياً، مع مؤشرات متسارعة على قرب دخولها إلى العاصمة باماكو، وبدء سلسلة التداعي في الساحل الأفريقي.
وتعرّف وكالة رويترز جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" بأنها "تحالف سلفي مرتبط بتنظيم القاعدة، وتعدّ أحد أخطر التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل الأفريقي"، مشيرة إلى أنها تأسّست رسمياً في مارس/ آذار 2017، وتُركز عملياتها على مالي وبوركينا فاسو والنيجر، مع تمدد متزايد نحو دول الساحل الساحلي مثل بنين وتوغو ونيجيريا.
لكن بحلول العام الجاري، أصبحت "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" مسؤولة عن آلاف القتلى وملايين النازحين، مستفيدة من الفراغ الأمني الناتج عن الانقلابات العسكرية والانسحابات الدولية، مع تعاظم قوّتها ووصول تعداد عناصرها إلى 7 آلاف، بحسب تقديرات غربية لـ "واشنطن بوست".
وفي غضون بضعة أشهر فقط، اجتاح فرع تنظيم القاعدة مدناً رئيسة في بوركينا فاسو ومالي، ونفذ أعنف هجوم على جنود في بنين، ووسّع نطاق حكمه المتشدد في جميع أنحاء المنطقة، معتمداً أسلوب المباغتة؛ إذ لا أحد يعلم متى سيشن مقاتلوه هجومهم التالي، أو أين يخططون للتوقف.
كما تلحظ تقارير غربية نمط عمل مختلفا عن الجماعات الإرهابية الأخرى، إذ تُدار جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، بنموذج لامركزي يجمع بين النشاط الإرهابي والإجرامي والحوكمة المحلية.
ويقول مسؤولون وخبراء، بحسب "واشنطن بوست" أن الاستراتيجيات المحلية المُستخدمة لمحاربة الجماعة تُسرّع من صعودها؛ إذ أتاحت لها الفظائع التي ارتكبتها قوات غرب أفريقيا ادعاء مكانتها الأخلاقية العليا وإضفاء الشرعية على نفوذها المتنامي.
أما "نيويورك تايمز"، فتلفت إلى أن الانسحاب الأمريكي إلى حد كبير من القتال، في أفريقيا، ترك فراغاً أمنياً عميقاً وقلقاً متزايداً بشأن أهداف وقدرات جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، التي باتت تنشئ الآن "شبه دولة" تمتد كحزام من غرب مالي وصولاً إلى حدود بنين.
وحوّلت جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، إلى جانب منافستها ولاية الساحل التابعة لتنظيم داعش، المنطقة إلى بؤرة للتمرّد؛ إذ وجد المؤشر السنوي لمعهد الاقتصاد والسلام العام الماضي أن 51% من وفيات الإرهاب عالمياً وقعت في منطقة الساحل، وهي منطقة شاسعة مضطربة جنوب الصحراء الكبرى تمتد على امتداد أفريقيا.
كما ساعدت الفوضى التي تعصف بالمنطقة ضباطا عسكريين على الاستيلاء على السلطة بانقلابات، متعهدين بالانفصال عن الغرب واستعادة الهدوء، لكن الوضع الأمني في معظم الدول ازداد سوءاً.
في عام 2024، صُنّفت بوركينا فاسو الدولة الأكثر تضرراً من العنف الإرهابي للعام الثاني على التوالي، وشهدت النيجر أكبر زيادة في وفيات الإرهاب عالمياً.
وفي مؤشر على امتداد جماعة نصرة الإسلام والمسلمين جنوباً، سجّلت توغو أكبر عدد من الهجمات الإرهابية في تاريخها، بينما سجّلت بنين عدداً من الوفيات في الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام يُقارب ما سُجّل في عام 2024 بأكمله.
تأسّست جماعة نصرة الإسلام والمسلمين في مالي عام 2017 كمنظمة شاملة تضم أربع جماعات إسلامية متطرفة، ويرأسها إياد أغ غالي وأمادو كوفا، زعيما حركة عام 2012 التي شهدت سيطرة الانفصاليين والمتطرفين على جزء كبير من شمالي البلاد.
ينتمي أغ غالي إلى جماعة الطوارق ذات الأغلبية المسلمة، والتي قاتلت لعقود من أجل إقامة دولة مستقلة في شمالي مالي. أما كوفا فهو داعية فولاني يقيم في وسط مالي. وقد منحت الخلافات بين الرجلين الجماعة شعبية واسعة، وساهمت في غموض أهدافها.
يقول الخبراء إن الجماعة تعمل وفق نموذج "الامتياز"، حيث تُكيّف استراتيجياتها مع العادات المحلية، وتُجنّد عناصرها بما يُراعي المظالم المحلية، لكن أينما ذهب مقاتلوها، يُطبّقون نسخة سلفية صارمة من الشريعة الإسلامية.
واليوم تتوسع شبكات المخبرين وسلاسل الإمداد التابعة لجماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" بشكل متزايد إلى دول مستقرة مثل غانا والسنغال وغينيا؛ إذ تخشى الحكومات أن يلحق بها مقاتلوها قريباً.
وتنقل "واشنطن بوست" عن مسؤول أمريكي، قوله إن الجماعة ترى توسعها باعتباره نوعا من "المصير المحتوم"، ويبدو أنها تدفع باتجاه فتح طريق إلى المحيط الأطلسي؛ الأمر الذي من شأنه أن يزيد بشكل كبير من نطاق شبكات التهريب الخاصة بها.