رأى خبراء في العلاقات الدولية، أن طلب البيت الأبيض من إيران "الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود" يحمل أبعادًا ودلالات عدة.
وفي مقدمة هذه الاعتبارات، توجيه رسالة إلى الداخل الإيراني مفادها أن هناك تفاوضًا سريًا بين طهران وواشنطن، عبر وساطة، حول ملفات من بينها الاعتراف بإسرائيل.
وأوضحوا في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن "الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يستهدف بهذا الطلب صبَّ المزيد من الزيت على الصراع المشتعل بين الحرس الثوري من جهة، والحكومة الإيرانية من جهة أخرى، لتأجيج الخلاف الداخلي".
وكان البيت الأبيض قد ردَّ على تصريحات المرشد الإيراني علي خامنئي بشأن رفضه اقتراح الحوار المباشر مع الرئيس الأمريكي، مؤكدًا أن أبواب الدبلوماسية "ما زالت مفتوحة"، لكنه شدّد على أنه "لن يكون هناك سلام في الشرق الأوسط ما لم يتخلَّ قادة إيران عن الإرهاب، ويعترفوا بحق إسرائيل في الوجود"، وفق تعبيره.
وجاء ذلك بعد أن سخر خامنئي من المظاهرات الحاشدة التي خرجت ضد الرئيس الأمريكي، قائلًا: "ليذهب ويهدّئ ملايين الأشخاص الذين يهتفون ضده في مختلف الولايات الأمريكية".
ويقول الباحث في الشأن الإيراني الدكتور محمد المذحجي، إن "طلب ترامب من إيران الاعتراف بإسرائيل يحمل في الواقع رسائل عدة؛ أولها موجه إلى الداخل الإيراني، وتفيد بأن الجهة التي تتفاوض سرًا مع الإدارة الأمريكية، أو عبر وساطة، هي الحكومة الإيرانية، حول الاعتراف بإسرائيل، في إشارة إلى رغبة طهران في ذلك".
ويرى المذحجي في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن "هذا من شأنه أن يؤجج الصراع الداخلي في إيران، ويزيد من حدة التوتر بين الحرس الثوري والحكومة"، معتبراً أن "ترامب يسعى، عبر هذا التصريح، إلى مزيد من التصعيد الداخلي".
أما الرسالة الثانية، بحسب المذحجي، فهي موجهة إلى دول الإقليم، ومفادها أن "إيران ستلتحق في نهاية المطاف بعملية السلام، ما يهيّئ أجواء أكثر ملاءمة لانضمام دول أخرى إلى مسار السلام في الشرق الأوسط"، وفق تقديره.
وبيّن أن "ترامب يسعى من خلال هذه الرسائل إلى الضغط على إسرائيل حتى لا تشن هجومًا على إيران في الوقت الراهن، خاصة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بحاجة إلى حرب جديدة بعد انتهاء حرب غزة، بحثًا عن ساحة أخرى تتيح له البقاء في السلطة وتأجيل محاكمته في قضايا الفساد".
ورأى المذحجي، أن "ترامب في هذه الظروف لا يريد اندلاع حرب جديدة في المنطقة قبل انضمام دول أخرى إلى عملية السلام، حتى يتمكن، لاحقًا، من التفرغ للملف الإيراني بحرية أكبر، بعيدًا عن الإيقاع الإسرائيلي الساعي إلى خلط الأوراق".
وأشار إلى أن "المعارض الرئيس لعملية السلام ليس ما يُسمّى بمحور المقاومة، بل إسرائيل نفسها، لأنها لا تريد سلامًا حقيقيًا في المنطقة، إذ أن أي سلام كهذا سيقيد حركتها ويحد من قدرتها على العبث بأمن المنطقة واستقرارها"، وفق تعبيره.
من جانبه، رأى أستاذ العلاقات الدولية الدكتور خالد شيات، أن "سخرية خامنئي ليست مجرد تهكم، بل محاولة لتقديم صورة جديدة لإيران بعد الحرب الأخيرة مع إسرائيل، التي تميزت بقوة الهجمة الإسرائيلية الأولى، في ظل تهديدات داخلية للنظام السياسي الإيراني".
وأوضح شيات في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن "المعادلة تغيرت، لاحقًا، مع قدرة طهران على استيعاب الضربات وتوجيه هجمات صاروخية كثيفة ومتطورة ضد إسرائيل، ما دفع إلى وقف الحرب".
وأضاف أن "الإستراتيجية التي يتبعها المرشد الإيراني تستند إلى الرد على الموقف الأمريكي، والإشارة إلى أن إيران لا تزال تحتفظ بقدراتها النووية، وإن كانت بمستويات أقل، إلا أنها ما زالت تملك التقنيات والأدوات اللازمة لذلك".
وأشار شيات، إلى أن "الرسالة الإيرانية واضحة، فهي لن تلتزم بالشروط التي حددها ترامب، سواء بشأن البرنامج النووي أو الدور الإقليمي لإيران، وأن محاولات الدول الأوروبية فرض شروط اقتصادية إضافية لم يكن لها تأثير ملموس على الداخل الإيراني".
واعتبر أن "العقوبات الاقتصادية انعكست على الأوضاع المعيشية داخل إيران، لكن النظام يوظفها لرفع معنوياته داخليًا في مواجهة الضغوط الأمريكية والغربية".