كشفت حزمة العقوبات الأوروبية الجديدة ضد روسيا أنها لم تعد مجرد أداة ضغط على الكرملين، بل هي مؤشر على تصدّع داخلي في الجبهة الغربية، حيث تحاول بروكسل لعب دور القائد فيما يتعامل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع العقوبات كورقة مساومة سياسية.
وكشفت "فورين بوليسي"، أن المفوضية الأوروبية بعد أسبوعٍ من المفاوضات الصعبة لتلبية مطالب واشنطن، أعلنت عن الحزمة الـ19 من العقوبات على روسيا، والتي تمثل خطوة إضافية لتقييد مصادر تمويل موسكو.
وجاء أن الإجراءات، التي لا تزال بانتظار موافقة جميع الدول الأعضاء، تركز على قطاعات الطاقة والبنوك والدفاع، في محاولة لإضعاف قدرة روسيا على تمويل حربها.
لكن الحزمة الأوروبية جاءت في وقت يبرز فيه التباين مع واشنطن؛ فمنذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض، لم تُفرض عقوبات أمريكية جديدة على روسيا، بينما اكتفى الرئيس الأمريكي بممارسة ضغوط على دول مثل الهند لوقف شراء النفط الروسي، وفي مؤتمره الصحفي مع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، قال ترامب إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "خيّب آمالي"، لكنه جدد موقفه الرافض لاتخاذ إجراءات إضافية قبل أن تتحرك أوروبا أولاً.
وكشفت مصادر مطّلعة أن الاتحاد الأوروبي رغم افتقاره إلى القوة المالية التي تمتلكها وزارة الخزانة الأمريكية ودور الدولار العالمي، إلَّا أنه صعّد ضغوطه على موسكو؛ فالحزمة الجديدة تستهدف عائدات الطاقة التي لا تزال تجلب لروسيا أكثر من 500 مليون يورو يومياً، مع تسريع خطة إنهاء واردات الغاز الطبيعي المسال الروسي إلى بداية عام 2027 بدل نهايته، لكنها تبقى خطوة متأخرة بسبب العقود طويلة الأمد، والضغوط السياسية من دول رئيسية مثل فرنسا وألمانيا وبلجيكا.
إضافةً إلى ذلك، وسّع الاتحاد قائمة "ناقلات الظل" غير المسجلة التي تنقل النفط الروسي خلسة، بضم 118 ناقلة جديدة، كما شملت العقوبات خططاً لحظر التعامل مع بعض البنوك الروسية وشركات تعمل في الالتفاف على العقوبات باستخدام العملات الرقمية، مع التوجه لمعاقبة شركات طاقة ومصافي في دول ثالثة مثل الصين.
ورغم هذه التحركات، يبقى غياب التنسيق مع واشنطن نقطة ضعف أساسية؛ فالعقوبات الأوروبية، حتى مع تشديدها، لا تملك "الأسنان" نفسها التي يمكن للعقوبات الأميركية أن توفرها عبر السيطرة على النظام المالي العالمي، كما يقول التقرير.
ولإقرار الحزمة الجديدة، تحتاج بروكسل إلى موافقة جميع الدول الأعضاء الـ27، بما فيها المجر وسلوفاكيا اللتان عطّلتا جولات سابقة، ولتجاوز العقبات، كشفت تقارير أن الاتحاد الأوروبي يدرس الإفراج عن 500 مليون يورو مخصصة للمجر مقابل تمرير الحزمة.
وبينما تواصل رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين التأكيد على أن العقوبات أداة فعّالة لإجبار موسكو على التفاوض، فإن الرسالة الأعمق تبدو مختلفة: العقوبات تحولت إلى ساحة صراع غربي داخلي، حيث يحاول الاتحاد الأوروبي قيادة المعركة بينما يستخدم ترامب الورقة الاقتصادية لتعزيز موقعه السياسي.