يرى تقرير لمجلة "ناشيونال إنترست" أنه مع تصاعد نُذر الحرب على الحدود بين حلف شمال الأطلسي وروسيا، يواجه "الناتو" نقصًا متزايدًا في الموارد البشرية.
وخلال الأسابيع الماضية، تعددت الحوادث العسكرية بين روسيا ودول الحلف، حيث أسقطت الدفاعات الجوية البولندية ثلاث طائرات روسية مسيرة؛ ما يمثل أول اعتراض لحليف في الناتو لتهديد روسي في مجاله الجوي خلال 76 عامًا من تاريخ الحلف.
وتقول "ناشيونال إنترست" إن الناتو الذي يقع تحت ضغط "الاختبارات" الروسية المتتالية منذ أسابيع، ينبغي أن يركّز على ما هو أبعد من الثغرات في القدرات الجوية، لافتة إلى أن نقص الأفراد العسكريين يعد "الفجوة الأعمق" في الحلف.
ويواجه الناتو بالفعل تحديًا كبيرًا في توفير الموارد البشرية اللازمة لتنفيذ خططه الدفاعية الإقليمية، وردع التهديد الروسي الذي يعتمد على ثقله البشري، رغم خسائره في أوكرانيا.
ويعاني جميع الحلفاء تقريبًا من صعوبة في التجنيد والاحتفاظ بالقوات، مع تفاقم الوضع بسبب التراجع الديموغرافي واتساع الفجوة بين المدنيين والعسكريين، إذ إنه حتى لو التزم الحلفاء بإنفاق 5% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع، فإن سد فجوات القوى العاملة يظل أكثر صعوبة من إصدار "شيكات ضخمة".
وفي المتوسط، يخصص الحلفاء 36% من ميزانياتهم الدفاعية للقوى العاملة، وبعضهم مثل إيطاليا يصل إلى 60%، لذا يجب على الحلفاء تطوير حلول مبتكرة لتوسيع قاعدة المواهب، وضمان توافق الخطط الدفاعية مع إستراتيجيات القوى العاملة، بحسب المجلة.
تشكل الأزمة الديموغرافية في أوروبا تهديدًا مباشرًا للتجنيد العسكري، ففي 2022، انخفض عدد المواليد في الاتحاد الأوروبي إلى أقل من 4 ملايين للمرة الأولى منذ 1960، مع استبعاد الخدمة العسكرية من خيارات الشباب بسبب عقود السلام بعد الحرب الباردة.
وتعاني ثلاث دول في الناتو بشكل واضح من الأزمة الديمغرافية، أولاها ألمانيا، حيث تقيّد المقاومة الثقافية للخدمة العسكرية طموحات برلين.
ورغم تقدمها في التخطيط والموارد، أعلنت ألمانيا مؤخرًا عن زيادة قواتها بـ30 ألف جندي خلال ست سنوات لإنشاء "أقوى قوة مسلحة" في أوروبا، لكن هذه الأرقام متواضعة.
وتشعر ألمانيا بإرهاق القوى العاملة، كونها ثاني أكبر مساهم بالأسلحة لأوكرانيا، وتتردد في إرسال قوات لحفظ السلام بسبب القيود البشرية.
وبينما تخطط النرويج لزيادة قواتها بنسبة 50% بحلول 2036، إلا أن برنامج التجنيد الإجباري التنافسي، يواجه صعوبة في تحويل المجندين إلى كوادر مؤهلة، مع مدة تجنيد لا تتجاوز 19 شهرًا؛ ما يزيد معدل الدوران، كما يفاقم ذلك صغر عدد السكان، 5.6 مليون نسمة؛ ما يضغط على دعم موقف دفاعي معزز للناتو.
كذلك تواجه إيطاليا تحديات في التجنيد، حيث أعلن رئيس أركان الدفاع أن قواته المقدرة بـ 165 ألف جندي أقل من المطلوب، وأي عدد أقل من 170 ألفًا "أقل من مستوى البقاء".
وإن كانت مشكلة إيطاليا تبدو قابلة للحل نسبيًّا بسبب تعداد السكان، لكن رواتب العسكريين غير تنافسية مقارنة بالقطاع الخاص، مع دعم شعبي ضعيف (16% فقط مستعدون للقتال)، إضافة إلى بُعد روما عن التهديد الروسي.
ولا تقتصر التحديات الديمغرافية على الجناح الأوروبي للحلف، فالولايات المتحدة تواجه ضغوطًا أخرى، مع انخفاض متوقع بنسبة 13% في خريجي الثانوية بحلول 2041، لكنها نجحت في تجاوز أهداف التجنيد لـ2024 عبر مبادرات، مثل: تركيز القيادة، ودورات إعدادية، وتخفيف قيود الوشم، والمخدرات.
وترى "ناشيونال إنترست" أن دول الناتو مطالبة بسرعة الاستجابة لمعالجة الأزمة الديمغرافية، مع تصاعد نذر الحرب، معتبرة أن زيادة الإنفاق الدفاعي لن تكفي في ظل نقص بشري. كما تدعو إلى إستراتيجيات جريئة لتوسيع المواهب، وتحديث السياسات، وتعزيز ثقافة التميز.