زيلينسكي: روسيا تعد لضرب مبان حكومية في كييف
تمثل عودة الجنود الروس من أوكرانيا اختبارًا حقيقيًا للقدرة السياسية والاجتماعية والاقتصادية للكرملين. فبينما فشلت جهود وقف الحرب واستقرار الأوضاع في أوكرانيا، فإن التحديات الداخلية لإعادة دمج المحاربين القدامى في المجتمع الروسي تتفاقم، مما يضع النظام أمام خيارات صعبة بين الاستقرار السياسي والضغط المالي والاجتماعي.
تشير تقارير "رويترز" المستندة إلى مصادر روسية إلى أن صانعي القرار الروسي يعتبرون عودة مئات الآلاف من المشاركين في الحرب تهديدًا محتملاً للاستقرار الداخلي.
وتشمل المخاوف الرئيسية تعزيز الجريمة المنظمة، انتشار العنف، وتعاطي المخدرات والكحول، وهو ما يشبه تجربة قدامى المحاربين في حرب أفغانستان السوفيتية.
في الوقت نفسه، يسعى الكرملين لتحويل المشاركين في الحرب إلى "نخبة جديدة" عبر مناصب سياسية رمزية، وأوسمة، وامتيازات مادية، مثل الأراضي ووسائل النقل المدعومة، لإضفاء طابع إيجابي على عودتهم.
إلا أن هذا التوجه يواجه فجوة كبيرة بين الطموحات الرسمية والقدرة الفعلية على إدارة المخاطر، خاصة مع هيكل القرار الروسي اللامركزي الذي يوزع المسؤولية على المستويات الإقليمية دون توفير الموارد الكافية.
تقديرات الخسائر البشرية تشير إلى أن ما بين 145 ألفًا و219 ألفًا من الجنود الروس قد لقوا حتفهم، بينما أصيب مئات الآلاف، مما يفاقم التحديات الاقتصادية والاجتماعية عند عودتهم.
يضاف إلى ذلك تعاطي المخدرات واضطراب ما بعد الصدمة PTSD بين الجنود العائدين، ما يزيد احتمالية السلوكيات العنيفة أو الانعزالية، ويشكل ضغطًا إضافيًا على النظام القضائي وأجهزة الأمن المحلية.
ويقدم التمويل الفيدرالي والإقليمي مجموعة من التعويضات، بما في ذلك مدفوعات مالية كبيرة للإصابات والمعاشات التقاعدية، وإعفاءات ضريبية، ودعم الإسكان، وبرامج تشغيلية مثل "زمن الأبطال"، رغم محدودية نطاقها.
ومع ذلك، تختلف الموارد بين المناطق الغنية والفقيرة، وقد تؤدي التعقيدات الإدارية والتأخير في تقديم المساعدات إلى تفاقم الشعور بعدم المساواة، مما يخلق مخاطر اجتماعية جديدة.
يعاني سوق العمل الروسي من نقص حاد في العمالة نتيجة الحرب، ما يجعل إعادة دمج الجنود تحديًا مزدوجًا: من جهة، يجب توفير وظائف مناسبة للمهارات العسكرية والمدنية؛ ومن جهة أخرى، فإن القطاعات الاقتصادية المدنية تعاني من قيود مالية وهيكلية.
لم تستوعب برامج التوظيف الإقليمية والفيدرالية، مثل حصص التوظيف المخصصة للعائدين، سوى نسبة ضئيلة من المتقدمين، حيث يُقبل غالبية الجنود في وظائف محدودة النطاق أو في الإدارات العامة.
وبالنسبة للقطاع الخاص، تم تقديم بعض الحوافز، إلا أن المنافسة مع العمالة غير القانونية والقطاع شبه المشروع، بالإضافة إلى القيود المالية للأقاليم، يضعف فعالية هذه البرامج، ويذكّر بتجربة عودة قدامى المحاربين من حرب أفغانستان في التسعينيات.
وتمثل الصحة النفسية والجسدية للعائدين أحد أبرز التحديات؛ حيث تشير تقديرات الحكومة إلى أن نحو 20% من العائدين سيعانون من اضطراب ما بعد الصدمة، بينما يصل الرقم الفعلي المحتمل إلى أكثر من 200 ألف جندي.
تكاليف العلاج السنوية لكل جندي تُقدّر بحوالي مليار دولار، وهو مبلغ يفوق قدرة العديد من المناطق الفقيرة على تغطيته.
تعاني المستشفيات من نقص حاد في الكوادر الطبية، خاصة في الطب النفسي، فيما تتفاوت جودة الرعاية بين المناطق الغنية والفقيرة، كما أن برامج إعادة التأهيل قصيرة الأجل موجودة، لكنها لا تلبي الاحتياجات الفعلية.
وعلى صعيد آخر، فإن نقص موظفي الشرطة وأجهزة الأمن، والذي بلغ 172 ألف موظف، يزيد المخاطر المرتبطة بعودة الجنود الذين قد يكونون عرضة للعنف أو الانخراط في الأنشطة الإجرامية، ما يشكل تحديًا مزدوجًا على النظام الاجتماعي والأمني.
إن إعادة دمج الجنود الروس العائدين من أوكرانيا ليست مجرد مسألة اجتماعية أو اقتصادية، بل اختبار شامل لقدرة الدولة الروسية على إدارة الضغوط الداخلية بعد صراع طويل.
بين المخاطر الأمنية، والتفاوتات الإقليمية، ونقص الخدمات العامة، وضغوط سوق العمل، يواجه الكرملين تحديًا معقدًا يضع استقراره السياسي والاجتماعي على المحك.
وبينما تسعى النخبة الجديدة التي شكلتها الحكومة لاستغلال امتيازاتها الرمزية، فإن نجاح إعادة الدمج الحقيقي يعتمد على قدرة الدولة على توفير الموارد، والحفاظ على الأمن، ودعم استقرار المجتمعات المحلية في بيئة اقتصادية صعبة ومتقلبة.