تحت وابل من التوترات التجارية بين واشنطن وبكين، وجدت شركة "إنفيديا" الأمريكية نفسها تحت المجهر، بعد أن أعلنت السلطات الصينية أن استحواذها على شركة "ميلانوكس تيكنولوجيز" عام 2020 انتهك قوانين مكافحة الاحتكار المحلية.
وبحسب "نيويورك تايمز"، جاء الإعلان بالتزامن مع محادثاتٍ تجارية بين البلدين في مدريد؛ ما أثار تساؤلات حول ما إذا كانت القوانين الاقتصادية تُستخدم كأداة ضغط سياسية، لا مجرد أداة تنظيمية.
وفي حين قالت الهيئة الصينية لتنظيم السوق، إن "إنفيديا لم تمتثل للالتزامات التي قطعتها عند إتمام الصفقة، بما في ذلك منع ممارسات احتكارية وضمان استمرارية الإمدادات للصين"، أكد متحدث باسم "إنفيديا" أن "الشركة ملتزمة بالقوانين، وستواصل التعاون مع جميع الجهات الحكومية المعنية لتقييم تأثير ضوابط التصدير على المنافسة في الأسواق التجارية".
يرى خبراء القانون الصيني والأمريكي أن بكين بدأت تستخدم أدواتها التنظيمية لتوسيع نفوذها في سوق أشباه الموصلات، وزيادة وصولها إلى شرائح الذكاء الاصطناعي المتقدمة، في مسعى لتقليص اعتمادها على المنافسين الأجانب.
وبحسب الصحيفة الأمريكية قال ليستر روس، شريك في مكتب WilmerHale القانوني، فإن "الحكومة الصينية تعتمد على التحقيقات التنظيمية والدبلوماسية لتحقيق مصالحها الاقتصادية، بما في ذلك توجيه الشركات المحلية لشراء المنتجات الصينية بدلاً من الأجنبية".
وذكرت مصادر موثوقة أن بكين لم تعد تتردد في فتح تحقيقات مكافحة الاحتكار ضد الشركات الأجنبية، بعد أن كانت هذه الإجراءات نادرةً في السابق؛ الأمر الذي يؤكد رغبتها في التأثير على معايير مكافحة الاحتكار العالمية، وزيادة مراقبتها للاستحواذات الأجنبية في الصناعات التكنولوجية المتقدمة.
ويرى مراقبون أن هذه الخطوة تأتي في وقت يتزايد فيه الاعتماد العالمي على شرائح "إنفيديا"، خصوصًا مع انتشار أنظمة الذكاء الاصطناعي الحديثة؛ ما يجعل الشركة في قلب المنافسة الاستراتيجية بين واشنطن وبكين.
من جهةٍ أخرى أشار الرئيس التنفيذي لـ"إنفيديا"، جنسن هوانغ، إلى أن "القدرة على العمل في السوق الصينية حاسمة للحفاظ على موقع الشركة كقائد عالمي في صناعة شرائح الذكاء الاصطناعي".
في المقابل، انتقد البعض السماح لـ"إنفيديا" ببيع بعض شرائحها للصين، معتبرين أن هذا يعزز القدرات التكنولوجية لبكين ويقوي موقفها في سباق الذكاء الاصطناعي.
وجاء في السياق أن تحقيقات السلطات الصينية تزامنت مع اتهامات صينية لاحقة بأن شرائح الشركة يمكن أن تُستغل لمراقبة المستخدمين أو تعطيل الأجهزة عن بُعد؛ ما يزيد من تعقيد المشهد بين القانون، والأمن، والسياسة.
بهذه المعطيات، لم تعد قضية "إنفيديا" مجرد نزاع تجاري أو تقني، بل صارت اختبارًا لقدرة الصين على تحويل قوانين مكافحة الاحتكار إلى أداة جيوسياسية لضمان هيمنتها المستقبلية في قطاع الذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي العالمي.