logo
العالم

هل يكرر الرئيس الإسرائيلي سيناريو "هرتسوغ الأب" مع نتنياهو؟

نتنياهو وهرتسوغالمصدر: أ ف ب

يؤكد خبراء ومتابعون للشأن الإسرائيلي أنّ طلب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ منحه "العفو" هو محطة من محطات المكاسرة المعلنة بين المؤسستين القضائية والتنفيذية في تل أبيب. 

أخبار ذات علاقة

 إسحق هرتسوغ وبنيامين نتنياهو

هرتسوغ يحدد شروط العفو عن نتنياهو

ويشيرون إلى أن المؤسسة التنفيذية اختارت الالتفاف على المنظومة القضائية باستدرار العفو من الرئيس الذي سبق لأبيه حاييم هرتسوغ منح العفو لأعضاء من الشاباك في ما يسمّى بـ "قضية حافلة الخط 300" في العام 1986.

وأكدت مصادر إسرائيلية أنّ نتنياهو تقدّم للرّئيس الإسرائيلي بملفّ ضخم في حدود 100 صفحة يشرح فيه أسباب تقديمه طلب العفو، فيما أكد مكتب الرئيس أنّ الأخير عاكف على دراسة الملف وسيتخذ القرار الذي يصب في مصلحة إسرائيل وشعبها.

شرح أسباب دون ندم

وفي مصفوفة شرحه لاستدرار العفو عنه، اعتبر نتنياهو أنّه لا يمكن الالتزام بطلبات المحكمة بالمثول أمامها بمعدّل جلستين أو ثلاث جلسات أسبوعيًّا في ظلّ الظروف الأمنية والعسكرية العصيبة التي تمرّ بها إسرائيل.

وأشار إلى أنّ مسلسل المحاكمات يحول دون الوحدة الوطنية ويتسبب في "انقسام داخلي حادّ"، وفق تعبيره.

ويحاكم نتنياهو في ثلاث محاكمات قضائية معروفة بـ 1000 و2000 و4000، حيث وُجهت له تهم الفساد (الرشوة والاحتيال، وخيانة الأمانة)، وقد بدأ مسلسل محاكماته في 2020، واضطر خلال الحرب الأخيرة إلى المثول أمام القضاء لتقديم شهادته في بضع قضايا.

وفي آخر جلسة استماع اضطر نتنياهو لمقاطعتها والخروج من مقر المحكمة بعد ورود رسالة وصفت بالمهمة والعاجلة من كادره الوظيفي.

وتؤكد مصادر إسرائيلية اطلعت على ملف طلب العفو أنّه يخلو من أيّ إشارة تتضمن إقرارًا بالذنب أو الإحساس بالندم العميق، وأنّ كل ما تضمنه يتمثل في سرد لجملة الأسباب التي تجعل من استمرار محاكمته خطرًا على وحدة الصف الإسرائيليّ، وما يحول دون مواصلة مثوله أمام القضاة.

وأثار هذا الملف عاصفة من ردود الأفعال المتباينة بطول الشرخ السياسي الذي يشق الصف الإسرائيلي، حيث عبرت مكونات الائتلاف الحكومي عن تأييدها المطلق لطلب رئيس الوزراء، فيما رفضت المعارضة وشرائح عريضة من المجتمع المدني الإسرائيلي هذا الطلب.

ووصف المعارضون "العفو" بالخطر الحقيقي الذي يهدد "الديمقراطية الإسرائيلية"، وبالحالة التي تكشف عن عقلية النخبة السياسية الحاكمة في تل أبيب، وهي عقلية "تقديم الأمن على العدل".

سحب البساط من تحت "العليا"

وبعيدًا عن هذا الجدل المعتاد في المشهد الإسرائيلي، فإنّ بعض القراءات القضائية العميقة ترى أنّ خطوة نتنياهو هي جزء من مسعاه لسحب البساط من تحت السلطة القضائية في إسرائيل، التي كثيرًا ما توصف بأنها على يسار السلطات اليمينية، الأمر الذي ترفضه المؤسسة القضائية.

وترى هذه القراءات أنّ الالتجاء للرئيس الإسرائيلي للبت في ملف ما زال تحت أنظار القضاء حلقة من حلقات تبرم الائتلاف الحاكم من المؤسسة القضائية، تضاف لمسلسل الصراع القائم بين الطرفين.

وتشير إلى أنّ الائتلاف الحاكم الذي دفع مطلع 2023 بمشروع كامل لتقليم أظفار المحكمة العليا الإسرائيلية، وتحجيم دورها في المجال العام الإسرائيلي، من خلال ما عرف برباعية "إضعاف مبرر المعقولية"، و"تغيير تشكيل لجنة اختيار القضاة"، و"بند التغلب على المحكمة العليا"، و"تغيير السلطة التقريرية للمستشارة القضائية للحكومة"، يكمل اليوم هذا العقد بحلقة خامسة قوامها الالتفاف على الإجراءات القضائية عبر استدرار طلب العفو.

ووفقًا لهذه القراءات، فإنّ طلب العفو يكون عقب الحكم بالإدانة من قبل القضاء، ومن ثم الاعتراف بالذنب والندم من قبل المتهم، ولا يكون في طور التقاضي.

3 عوامل في خدمة نتنياهو

وفي مفصل تفكيك المشهد، تؤكد مصادر إعلامية وسياسية مطلعة أنّ نتنياهو يعوّل على ثلاثة عوامل في هذه المعركة، الأول هو جمهوره السياسي والانتخابي، والثاني هو الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والثالث هو شخصية الرئيس.

بالنسبة للنقطة الأولى، فإنّ خزانه الانتخابي وجمهوره السياسي الذي يرى فيه "قائدًا سياسيًّا" فذًّا، أعاد سطوة الردع والهيبة لصالح إسرائيل ونجح في تغيير مشهد الشرق الأوسط خلال أعوام قليلة، بدأ منذ مساء أمس في التظاهر أمام مقر الرئيس الإسرائيلي، وهو ما يمثل ضغطًا لفائدة نتنياهو. 

أخبار ذات علاقة

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي دونالد ترامب

معاريف: ترامب المتحكم الوحيد في مسار العفو عن نتنياهو

أما النقطة الثانية، فهي: الرئيس ترامب الذي لم يتردد لحظة في نعت المحكمة وقضاتها بـ "المسيسين" وبـ"السحرة"، بل وتؤكد مصادر أمريكية مطلعة أنّه سيفرض عقوبات على القضاة المعارضين للعفو عن نتنياهو، وهي عقوبات قد تنسحب على منع السفر لأمريكا وتجميد الحسابات البنكية.

النقطة الأخيرة المتمثلة في شخصية الرئيس، هي نقطة يعتبرها مؤيدو نتنياهو الورقة الفضلى، ويصفها معارضوه بـ"الورقة الأخطر"، ليس فقط لأنّ بلاغ الرئاسة الأخير قرِئَ على أنّه انحياز أولي وقبول مبدئي بفكرة "العفو"، وإنما - وهو الأهم - لأنّ والد الرئيس الحالي قدّم في 1986 أول طلب للعفو في تاريخ إسرائيل.

في سنة 1984، تمت عملية اختطاف لحافلة إسرائيلية رقم "الخط 300"، من قبل ناشطين فلسطينيين، وقد قتل جهاز "الشاباك" (جهاز الأمن الداخلي) عنصرين من الخاطفين، بعد اعتقالهما واستسلامهما.

قبل الانطلاق في المحاكمة أصلًا، تدخّل الرئيس الإسرائيلي آنذاك حاييم هرتسوغ ومنح عددًا من عملاء "الشاباك" المتورطين في عملية القتل "عفوًا" في العام 1986، وذلك قبل توجيه التهم إليهم بصفة رسمية، وقد برر هرتسوغ حينها هذا القرار بضرورة الحفاظ على سرية عمل الشاباك والمصلحة الأمنية العليا للدولة.

ويعول فريق نتنياهو كثيرًا على هذه السابقة كدليل على جواز منح العفو قبل الإدانة طالما أنّ المبرر هو الأمن والمصلحة الوطنية العليا، وهي العبارة ذاتها التي استعملها الرئيس الحالي في تصريحه حول خطواته القادمة، حيث اعتبر أنّه سيتخذ القرار الذي فيه أمن إسرائيل ومصلحتها العليا.

ميارا تتربص بنتنياهو

على الجانب الآخر، تؤكد المصادر الإعلامية والسياسية القريبة من معسكر المعارضة أنّ الأمر ليس بهذه السهولة، وأنّ عقبات كثيرة جدّّا في انتظار نتنياهو على رأسها أنّ عدوته الأولى "المستشارة القضائية للحكومة" ستكون من الأطراف الواجب استشارتها من قبل الرئيس قبل اتخاذ القرار.

وتشير هذه الجهات إلى أنّ الفارق بين حالة "الخط 300"، وحالة نتنياهو، كبير جدًّا، سواء من حيث سرية المعلومات، أو حساسية الأجهزة، أو خطورة التهم، أو صيرورة المحاكمة التي قطعت مع رئيس الوزراء أشواطًا طويلة واستغرقت حيزًا زمنيًّا لا بأس به، وبناء عليه فالحكم عليه والبت فيها بات قريبا جدّّا. 

أخبار ذات علاقة

نتنياهو في الكنيست

المعارضة الإسرائيلية تضع "شروط العفو" عن نتنياهو على طاولة هرتسوغ

ويضاف لهذا أنّ الرئيس الإسرائيلي مطالب باستشارة مجموعة من المستشارين قبل إطلاق حُكمه، وبعض هؤلاء المستشارين رأيه نافذ وملزم ولا يمكن معارضته.

ويجب عليه استشارة المستشارة القضائية للحكومة، غالي باهاراف ميارا، وتعتبر استشارتها إلزامية، إذ تقدم رأيها القانوني حول صلاحية وقانونية منح العفو في هذه المرحلة.

كما يجب عليه ثانيًا استشارة وزير العدل، ياريف ليفين، وكذلك استشارة النائب العام، وهي أيضًا غالي ميارا.

كما من المفترض عليه أن يستشير رابعًا رئيسة المحكمة العليا، ضمن الأعراف الدستورية، على أنّ استشارتها ليست إلزامية.

العفو لدى ميارا 

في هذا السياق، تشدد المصادر على أنّ نتنياهو لن يفلت من قبضة ميارا بأي حال من الأحوال، حيث ينظر إليها إسرائيليًّا بأنها المقررة الفعلية لمصير طلب "العفو".

ومن غير المستبعد أن ترفض ميارا هذا الطلب، نظرًا لعدة اعتبارات من بينها عدم قانونية الطلب، شكلًا ومضمونا، ومن بينها أيضًا أنّها كانت ولا تزال في مرمى القصف السياسي اليميني المتشدد، وفي قلب حراكه لتغيير المنظومة القضائية في إسرائيل. 

أخبار ذات علاقة

نتنياهو وترامب

"عناق الدب".. ماذا يخفي طلب ترامب بالعفو عن نتنياهو؟

ويمثل تغيير صلاحية المستشارة القضائية من كونها ذات رأي إلزامي على السلطة، إلى "استشاري"، عنوان جهد الائتلاف الحكوميّ، الذي فشل إلى حدّ اللحظة في تغيير الهوية التقريرية والإلزامية لآراء المستشارة القضائية.

وبناء عليه، فمن غير الراجح أن تقبل ميارا طلب العفو، ولا سيما أنها ذاقت الويلات والأمرين من الائتلاف الحاكم الذي سبق أن كال لها نقدًا جارحًا، واتهمها بـ"غير المهنية والمسيسة وممثلة اليسار" في الحكومة.

حيال كل ما سبق، تُعبر خطوات نتنياهو عن تبرم واضح من الجهاز القضائي في إسرائيل، وتعتبر آخر أوراقه في الحرب القائمة بينهما منذ سنوات، ولا يبدو أنّ الرجل الذي نجح في تغيير مشهد الشرق الأوسط وإسقاط حكومات وتحجيم ميليشيات، قادر على أن يلعب الدور ذاته في الملعب الإسرائيلي، ومع الفاعلين القضائيين.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC