أكد جيمس بوسبوتينيس، خبير الشؤون الأمنية والدفاعية، أن بريطانيا تدخل مرحلة جديدة في مقاربتها للأمن القومي، مشيراً إلى أن هذه المقاربة تقوم على دمج الدفاع العسكري مع الصمود المجتمعي، قائلاً إن المملكة المتحدة باتت تنظر إلى دعم أوكرانياً على أنه استثمار استراتيجي "طويل الأمد" في أمنها القومي.
يأتي ذلك في ظل ما وصفه الخبير بتصاعد التهديدات الروسية وتحولها إلى خطر مباشر لا يقتصر على ساحات القتال التقليدية، بل يمتد إلى البنية التحتية والمجتمع المدني.
وأضاف في حوار مع "إرم نيوز"، أن حرب أوكرانيا شكّلت لحظة كاشفة لطبيعة النظام الدولي الجديد، حيث لم يعد الفصل ممكنًا بين الجبهة العسكرية والجبهة المدنية.
وأشار إلى أن لندن باتت تنظر إلى دعم كييف باعتباره استثمارًا استراتيجيًا طويل الأمد في أمنها القومي، في وقت تتزايد فيه الشكوك حول التزامات دولية تقليدية داخل حلف الناتو.
وقال إن "التهديد الذي تمثله موسكو وطموحاتها الإمبريالية الجديدة، والتي تظهر بوضوح في حربها الوحشية ضد أوكرانيا، هو السبب الرئيس وراء الاتجاه نحو زيادة الإنفاق الدفاعي وتعزيز الصمود المجتمعي"، على حد تعبيره.
وأضاف: "لا يقتصر التهديد الروسي المحتمل ضد المملكة المتحدة على سيناريوهات الحرب التقليدية، بل قد يشمل عمليات تخريب، وهجمات صاروخية، وهجمات سيبرانية تستهدف البنية التحتية الحيوية والمنشآت العسكرية".

وتابع: "هذا يفرض دمج الدفاع العسكري مع صمود المجتمع المدني، مستفيدين من التجربة التي كانت قائمة خلال الحرب الباردة، والتي تضمنت عناصر واسعة للدفاع المدني".
وردًا على سؤال حول "أين تقف الحدود بين الأمن القومي والحياة المدنية اليومية؟"، أجاب: "الحدود بين الأمن القومي والحياة المدنية اليومية تصبح أكثر تداخلًا عندما ننظر إلى الصمود الوطني كعنصر متكامل ومنها القطاع المدني، بما في ذلك التعليم والصناعة والرعاية الصحية، وهو ما يطلب منه أن يكون قادرًا على الاستمرار خلال الأزمات مع الحفاظ على تقديم خدماته الأساسية".
وأكد أن "هذه القطاعات تُعامل كجزء من منظومة الدفاع الوطني، لكن مع ضرورة حماية الحقوق المدنية ونمط الحياة اليومي للمواطنين، حتى لا يتحول الأمن إلى تدخل مفرط في تفاصيل الحياة المدنية".
وحول إن كان المجتمع البريطاني مستعداً نفسيًا واقتصاديًا لتحمّل كلفة هذا التحول طويل الأمد، قال بوسبوتينيس إن "هذا التحول يحتاج إلى استعداد نفسي ومالي كبير. رغم الطموح الذي تحمله فكرة "الجميع معًا"، فإن المجتمع البريطاني سيحتاج إلى وقت طويل للتكيف مع هذا النهج".
واعتبر أن "الأمر لا يتعلق فقط بزيادة الإنفاق، بل بتغييرات في الثقافة العامة، والتثقيف، والبنية المؤسسية، إلى جانب استثمارات اقتصادية مستمرة لتعزيز الصمود الوطني".
ورأى أن "التهديد الروسي هو المحرك الرئيس. الحرب التي تخوضها موسكو ضد أوكرانيا كشفت عن طموحات إمبريالية جديدة، ما دفع بريطانيا إلى تعزيز إنفاقها الدفاعي وتبني سياسات أوسع للصمود الوطني، حتى وإن لم تتطابق بعض الإجراءات دائمًا مع الخطاب السياسي المعلن".
وبين أن "الحرب في أوكرانيا لم تغير نظرة لندن لدورها داخل أوروبا، بل أعادت تأكيده، خاصة وأن بريطانيا ترى نفسها لاعبًا أساسيًا في الدفاع عن القارة الأوروبية منذ وقت طويل، وأن دعم أوكرانيا يُنظر إليه في لندن باعتباره استثمارًا مباشرًا في الأمن البريطاني، لأن أي انتصار روسي سيشكّل تهديدًا خطيرًا للمصالح البريطانية".
وبشأن الدعم الواسع لأوكرانيا، وهل هو استثمار في أمن بريطانيا المستقبلي خاصة وأنها تبدو مخاطرة قد تستنزف الموارد على المدى البعيد؟، قال الخبير: "نعم.. يمكن اعتبار هذا الدعم استثمارًا طويل الأمد في الأمن البريطاني، خاصة وأن الهدف هو منع تشكل تهديد أكبر قد يصل إلى بريطانيا نفسها.. صحيح أن هناك كلفة اقتصادية محتملة على المدى الطويل، لكن تجاهل دعم أوكرانيا قد يؤدي إلى نتائج أكثر خطورة وتكلفة على الأمن الوطني".
وردًا على سؤال حول دمج الذكاء الاصطناعي والطائرات بدون طيار إلى جانب "العدة الثقيلة"ومدى تأثيرها على تغير شكل الجندي البريطاني نفسه في العقيدة العسكرية الجديدة، أفاد بأن "دمج الذكاء الاصطناعي والأنظمة غير المأهولة سيُحدث تغييرات كبيرة في طريقة عمل القوات المسلحة، وهذا التعاون بين الأنظمة المأهولة وغير المأهولة يمكن أن يعزز القدرة القتالية، ويزيد من مدى العمليات واستمراريتها".
واستطرد: "هذا الاتجاه يظهر بوضوح في تطوير مجموعات جوية هجينة لحاملات الطائرات من فئة «كوين إليزابيث»، وهو مسار لا يزال قيد التطوير ويتطلب استثمارات وتجارب عملية متواصلة".
وختم قائلًا إن "التهديد الروسي يتجاوز أوكرانيا، والاستثمار في القوات المسلحة وتعزيز الصمود الوطني أصبح ضرورة في ظل التحولات العميقة في النظام الدولي، بما في ذلك صعود الصين كقوة كبرى وتزايد التحديات الإقليمية والعالمية".
ورأى أن "الاستعداد الدائم" أصبح جزءًا أساسيًا من الاستراتيجية طويلة الأمد للأمن البريطاني.