مدير منظمة الصحة العالمية يدعو إسرائيل إلى وقف "كارثة" المجاعة في غزة
سارعت الحكومة الألمانية الجديدة، التي أبصرت النور الأسبوع الماضي، إلى فرملة التيار اليميني المتطرف بعد صعوده اللافت في السنوات الأخيرة، وتحقيق "حزب البديل من أجل ألمانيا" المرتبة الثانية في الانتخابات المبكرة الأخيرة، في محاولة لئلا يكرر التاريخ نفسه.
وفي سياق هذا التحرك، أعلنت برلين حظر جماعة يمينية متطرفة تسمى "مملكة ألمانيا"، واعتقلت عددًا من أعضائها، في خطوة وإن كانت نادرة ضمن المشهد السياسي الألماني، غير أنها كانت متوقعة بالنظر إلى الحساسية الألمانية العالية إزاء هذا التيار.
وأجمعت تحليلات الصحافة الألمانية على أن من بين التحديات التي تواجه الحكومة الجديدة هي كيفية التصرف حيال صعود تيار اليمين المتطرف في البلاد، والذي يتفرع إلى جماعات مختلفة ومتشعبة، لكنها متقاربة في العقيدة والأيديولوجيا، والتي يطلق عليها في البلاد اسم مختصر "مواطني الرايخ".
وفقًا لتقارير متطابقة، فإن حركة مواطني الرايخ، هي ليست تنظيمًا قائمًا بحد ذاته، بل هي تيار عام لا يعترف بشرعية دولة ألمانيا الحديثة (جمهورية ألمانيا الاتحادية)، وفقًا لما تقول أدبيات الحركة المعلنة والخفية.
ويعتقد أتباع هذا التيار، على نطاق واسع، أن "الرايخ الألماني" (الإمبراطورية الألمانية التي تأسست عام 1871) لا تزال قائمة من الناحية القانونية، وأن الحكومات التي جاءت بعد الحرب العالمية الثانية غير قانونية.
ويرى أتباع هذا التيار، كذلك، أن ألمانيا الحالية "مسلوبة الإرادة"، وتخضع لقوى خارجية كالولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما يحفز أنصار التيار إلى إقامة نظام بديل للدولة الألمانية الحديثة.
ويمتنع بعض أنصار هذا التيار عن دفع الضرائب، وهي مسألة لا تتهاون السلطات بشأنها، ويزعمون إصدار وثائق شخصية مزيفة مثل "جواز سفر الرايخ"، وبعضهم دخل في مواجهات مسلحة مع الشرطة.
وتقدّر السلطات أن هناك قرابة 23 ألف شخص من المتعاطفين مع هذا التيار، بحسب تقرير يعود للعام 2023، منهم نحو ألفي شخص يُعتبرون خطرًا أمنيًا.
ووضعت المخابرات الداخلية الألمانية حركة "مواطني الرايخ" تحت المراقبة في عام 2016، بعد وقت قصير من إطلاق أحد أعضائها النار على شرطي أثناء مداهمة منزله.
وفي سياق تبريرات حظر "مملكة ألمانيا"، التي تنتمي لهذا التيار المتشعب، قالت السلطات الألمانية إن الجماعة أنشأت مؤسسات ظل لدولة جديدة تتماشى مع أيديولوجية اليمين المتطرف.
وقال وزير الداخلية الألماني، ألكسندر دوبريندت، إن هدف جماعة "مملكة ألمانيا" هو الانفصال عن ألمانيا، وإقامة دولة مضادة لها جهاز شرطة وسلطات قضائية خاصة بها.
وتأسست جماعة "مملكة ألمانيا" قبل عشر سنوات على يد شخص اسمه بيتر فيتغ، وتقول إنها تضم حوالي 6 آلاف مؤيد.
ورغم اعتقاد أنصار "مملكة ألمانيا" بمعظم أفكار تيار "مواطني الرايخ"، لكنها مع ذلك تتسم بطابع ديني، وروحاني أكثر.
ويلاحظ خبراء أن ألمانيا تتمتع بحساسية عالية تجاه أي تيار يميني متطرف، معتبرين أن ما يدعم هذا الرفض الحاسم لدى الألمان هو الإرث التاريخي الثقيل، أو ما يمكن تسميته بـ"عقدة الماضي القاتم".
وتظهر دروس التاريخ أن ألمانيا عاشت تجربة الرايخ الثالث تحت حكم هتلر (1933-1945)، وهي واحدة من أحلك الفترات في التاريخ البشري، حيث ساد نظام شمولي تسبب في الحرب العالمية الثانية التي خرجت منها ألمانيا مهزومة ومحطمة.
وبعد كارثة الحرب وانتهاء حقبة النازية، تشكل في الوعي السياسي الألماني التزام أخلاقي ودستوري صارم يتمثل في عدم السماح لأي تيار يميني متطرف أو معادٍ للديمقراطية أن يظهر مجددًا.
وهنا يثار سؤال عن كيفية المواءمة بين رفع شعار الديمقراطية والتأكيد عليها، والعمل، في الآن ذاته، على تقييد ورفض تيار سياسي ما، والذي قد يثير استياء وانتقاد منظمات حقوقية.
الجواب يكمن وفقًا لخبراء، في ما سمي بـ"الديمراطية الدفاعية"، وهي نموذج خاص بألمانيا انبثق من تداعيات الحقبة النازية، وطورتها برلين بعد الحرب العالمية الثانية.
ووفقًا لما سبق، فإن الديمقراطية الدفاعية على الطريقة الألمانية هي "نظام ديمقراطي يسمح لنفسه بالدفاع عن وجوده وقيمه الأساسية ضد التيارات أو الجماعات التي تستغل حرية الديمقراطية من أجل تدميرها من الداخل".
وبحسب خبراء، فإن تبرير هذه الفكرة، والتي تبدو ملتبسة أو متناقضة إلى حد ما، هو أن تجربة صعود هتلر جاءت عبر الانتخابات والآليات الديمقراطية، لكنه سرعان ما ألغى النظام الديمقراطي بالكامل بمجرد وصوله للسلطة.
وخلص الساسة الألمان، وفق مراقبين، إلى قاعدة باتت راسخة في الذهنية الألمانية وهي "عدم السماح، مرة أخرى، لأعداء الديمقراطية باستخدام الديمقراطية للقضاء عليها".
ومن هنا، يمكن فهم سبب حظر "مملكة ألمانيا"، وقبل ذلك بأيام قليلة صنّفت وزارة الداخلية الألمانية حزب البديل من أجل ألمانيا "كيانًا يمينيًا متطرفًا".
والملاحظ أن هذا التيار، وفقًا لوقائع سابقة، يوفر للسلطات الذرائع الكافية للتضييق على أنشطته التي لا تقتصر على الجانب السياسي والحزبي، بل وصلت إلى حد العنف المسلح، كما حصل حين تورط التيار في قتل السياسي فالتر لوبكه عام 2019، وكذلك مجزرة مدينة هاناو عام 2020 ضد مهاجرين، واكتشاف خلايا سرية مسلح، وغير ذلك من الوقائع التي تجعل برلين يقظة ومتوجسة وحاسمة تجاه اليمين المتطرف.