رأى خبراء في الشأن الإيراني أن طهران نقلت ما يُعرف بـ"تاج عرش" برنامجها النووي، من منشأة "فوردو" المحصنة إلى منشأة "جبل الفأس" الأكثر عمقًا وتأمينًا.
ويُقصد بهذا "التاج" ما يقارب نصف طن من اليورانيوم المخصب، إلى جانب أجهزة الطرد المركزي، قبل الضربة الأمريكية للمفاعلات النووية الإيرانية بثلاثة أيام.
وأوضح الخبراء، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن الاعتماد على منشأة "جبل الفأس" – التي تتمتع بتحصينات وعمق أكبر بكثير من "فوردو" – لن يجعلها مجرد خزان كبير لعناصر البرنامج النووي، بل ستشهد فيها عمليات التخصيب بوتيرة أعلى مقارنة بالفترات السابقة.
وتصدّرت منشأة "جبل الفأس" المشهد النووي الإيراني بين ليلة وضحاها، بعد أيام من التساؤلات حول مصير اليورانيوم المخصب، خاصة عقب الضربة الأمريكية التي استهدفت مفاعلات "فوردو"، و"أصفهان"، و"نطنز"، وسط غياب أي مؤشرات لتسرّب إشعاعي، ما يثير الشكوك حول نجاح الضربات في تحقيق هدفها بإنهاء البرنامج النووي الإيراني.
يرى الباحث المتخصص في الشأن الإيراني، نبيل الحيدري، أن "إيران بدأت بالفعل ترميم مشروعها النووي المتضرر إثر الضربة الأمريكية، وقد انطلقت هذه الجهود من منشأة جبل الفأس، التي باتت تمثل (تاج العرش) للبرنامج النووي الإيراني، نظرًا لموقعها تحت الأرض على عمق 100 متر، وما تتمتع به من تحصينات طبيعية معقّدة، أضيفت إليها أخيرًا إمكانيات تكنولوجية جديدة تزيد من حمايتها".
وأضاف الحيدري، لـ"إرم نيوز"، أن منشأة "جبل الفأس" استقبلت، بحسب تقارير، أكثر من 400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب نُقلت من "فوردو" بواسطة 16 شاحنة كبيرة، قبل القصف الأمريكي.
ويُقدّر مستوى التخصيب في هذه الكميات ما بين 60 إلى 90%؛ ما يتيح لإيران القدرة على تصنيع عدة قنابل نووية.
وأشار الحيدري إلى أن "هذه المنشأة لم تخضع حتى الآن لأي عمليات تفتيش من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومع ما نُقل إليها من مكونات، باتت تُعدّ خزانًا كبيرًا للقوة النووية الإيرانية".
ومن المنتظر أن تعلن طهران انسحابها من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT)، لتسير على خطى كوريا الشمالية، وتصبح الدولة العاشرة التي تمتلك السلاح النووي في المستقبل القريب، بحسب الحيدري.
وأوضح أن ما تتميز به منشأة "جبل الفأس" من تحصينات يجعلها المكان الأمثل ليس فقط لإخفاء اليورانيوم المخصب، بل لاستكمال عمليات التخصيب بوتيرة أسرع.
وتقع المنشأة على بُعد نحو 145 كيلومترًا جنوب منشأة فوردو، قرب موقع نطنز النووي في محافظة أصفهان.
وأشار الحيدري إلى أن منشأة "جبل الفأس" تقع على عمق يقدّر بـ100 متر تحت الأرض، مقارنة بمنشأة "فوردو" التي يتراوح عمقها بين 60 إلى 90 مترًا، ما يجعلها أكثر تحصينًا من "فوردو" و"نطنز" معًا.
من جانبه، يرى الخبير في العلاقات الدولية راضي إسماعيل أن إيران، في محاولتها تدارك ما لحق بمرافق منشآتها النووية من أضرار، تسعى إلى ترميم برنامجها بشكل سريع، ويُرجح أن تكون منشأة "جبل الفأس" حجر الأساس في هذه العملية.
وبيّن إسماعيل، لـ"إرم نيوز"، أن "إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تبالغ في الحديث عن تدمير البرنامج النووي الإيراني، بينما تُراهن طهران على مواقع أكثر تحصينًا في مقدمتها جبل الفأس".
وبحسب إسماعيل، "تمتلك إيران منشآت ومرافق محصنة في مدن ومناطق متعددة، وهو ما تدعمه طبيعتها الجغرافية".
لكن التركيز الإعلامي ظل منصبًا على موقع "فوردو" بوصفه العمود الفقري للبرنامج، في حين أن ضربه لا يعني بالضرورة القضاء على المشروع.
ورصدت صور أقمار صناعية، قبل الضربة الأمريكية بـ48 ساعة، تحرّك شاحنات من أنفاق داخل "فوردو" باتجاه مواقع أخرى، بعضها تم كشفه، وبعضها الآخر نُقل سرًّا وسط تمويه واستغلال للتضاريس الجبلية والوديان.
واعتبر إسماعيل أن هذه الشاحنات، التي نُفذت حركتها وسط تأمين عالٍ، من المؤكد أنها كانت تحمل مخزونات من اليورانيوم وأجهزة الطرد إلى أماكن أكثر تحصينًا، في مقدمتها "جبل الفأس"، الذي تحوّل بين ليلة وضحاها – حسب ما تم تسريبه من داخل إيران – إلى "الصندوق الأسود" للبرنامج النووي، رغم تأكيد ترامب أن الضربة الأمريكية أنهت المشروع بالكامل.
وأضاف أن "الجدل لا يزال قائمًا منذ الضربة الأمريكية، خاصة فيما يتعلق بمصير اليورانيوم المخصب؛ فاستهداف المفاعل بهذا الشكل، في حال وجود الوقود النووي داخله، كان سيؤدي إلى تسرب إشعاعي، وهو ما لم ترصده أي جهة حتى الآن".