logo
العالم

التنين الصيني والدب الروسي.. "تحالف الضرورة"؟

اجتماع سابق بين الزعيمين الروسي والصينيالمصدر: رويترز

مع توقيع روسيا والصين اتفاقا لبناء خط أنابيب غاز "قوة سيبيريا 2" عبر منغوليا وبسعة تصل إلى 50 مليار متر مكعب ولمدة 30 سنة، يؤكّدُ البلدان انخراطهما في شراكة اقتصادية واستراتيجية طويلة، وهي شراكة تتباين توصيفاتها لدى الخبراء بين "التحالف الاستراتيجي" الذي يدير التوافقات والشراكات، وبين "تحالف الضرورة" الساعي إلى احتواء الخلافات.  

ويعتبر الخبراء أنّ توقيع موسكو وبكين لاتفاق بناء خط أنابيب غاز "قوة سيبيريا 2"، يعبر عن أهمية المشاريع الطاقية الآسيوية لروسيا في ظلّ العقوبات الغربية التي أدت إلى خسارتها السوق الأوروبية.

أخبار ذات علاقة

الرئيسان الصيني والروسي

"قوة سيبيريا 2‎".. روسيا والصين تعيدان رسم خريطة الطاقة في أوراسيا

طفرة كبيرة 

وشهدت العلاقات الروسية الصينية خلال العقد الأخير على وجه عام، وعقب نشوب الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير/ شباط 2022، طفرة كبيرة على مختلف الأصعدة؛ ما يعبر عن توجه استراتيجي ثنائي للانخراط في شراكات استراتيجية ذات منفعة ثنائية وديمومة زمنية. 

ووصف الرئيس التنفيذي لـ"غازبروم" أليكسي ميلر مشروع "قوة سيبيريا 2" بأنه "الأضخم والأكثر كثافة في رأس المال على مستوى العالم"، مشيراً إلى أن الأسعار المقررة للصين ستكون أقل من أوروبا، بفضل قرب الحقول الروسية وقصر مسافة النقل.

وسيسمح المشروع لروسيا بتعويض الانخفاض الحاد في صادرات الغاز إلى أوروبا، التي كانت تصل قبل الحرب إلى نحو 200 مليار متر مكعب سنوياً، مقارنة بإجمالي صادرات مرتقبة إلى الصين قد تصل إلى 106 مليارات متر مكعب عند اكتمال المشروع.

كما شهدت قمة منظمة شنغهاي الأخيرة (التي انعقدت بتاريخ 2/9/2025) توقيع 20 اتفاقية تعاون ثنائي تشمل مجالات الطاقة، والصناعات الفضائية، والذكاء الاصطناعي، والزراعة، والتفتيش والرقابة الصحية، والأبحاث العلمية، والتعليم، والإعلام بين البلدين.  

وفي السياق نفسه، عرفت المبادلات التجارية بين الصين وروسيا خلال 2024 قفزة نوعية، حيث أظهرت بيانات الجمارك الصينية أن قيمة التبادل التجاري بين الصين وروسيا بلغت ما يعادل 237 مليار دولار في عام 2024.

ووفق أرقام وإحصائيات الجمارك الصينية، فقد زادت صادرات الصين إلى روسيا في 2024 بنسبة 5% بالعملة الصينية "اليوان" مقارنة بالعام السابق، كما ارتفعت الواردات الصينية من روسيا 1%.

وعلى الرغم من هذا الازدياد إلا أنه يبقى دون مستوى سنة (2023)، حيث سجلت الصادرات الصينية إلى روسيا طفرة بـ54%، والروسية إلى الصين بـ19%. 

شراكة بـ"لا حدود"

ويعتبر الخبراء الصينيون أنّ هذه الأرقام تمثل تجسيدا فعليا لمبادئ التحالف المشترك بين البلدين، مؤكدين أنّ التعاون الصيني الروسي انطلق منذ سنة 2001 عندما وقع البلدان معاهدة حسن الجوار والتعاون الودي، ثم تطور الأمر إلى شراكة استراتيجية شاملة في 2011، قبل أن يبلغ الأمر ذروته في 2019 مع شراكة التنسيق الاستراتيجية الشاملة في العصر الجديد.

ووفق تقديرات الخبراء، فإنّ إعلان "شراكة بلا حدود" الموقّع بين الرئيسين فلاديمير بوتين وجي شين بينغ في فبراير/ شباط 2022، تكرّس إجرائيا، سواء من خلال "التّضامن الصيني الرّوسي" ضدّ العقوبات الغربية على روسيا، ومن ثم إيجاد بدائل وحلول تضمن تدفق الغاز الروسي واستمرار التعاملات المالية مع البنك المركزي الروسيّ، أو من خلال "التآزر الروسي الصيني" خلال حرب الرسوم الجمركية التي أعلنها دونالد ترامب في صائفة 2025 وأكّد الاستمرار فيها انطلاقا من 1 نوفمبر/ تشرين الثاني القادم.

حيث أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض رسوم جمركية إضافية 100% على الواردات الصينية بدءا من الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر 2025، في خطوة تصعيدية جديدة ضمن الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم.

أخبار ذات علاقة

خط أنابيب الغاز لشركة غازبروم

50 مليار متر مكعب سنويًا.. اتفاق الغاز الروسي-الصيني يربك توازن الطاقة العالمي

دعم عسكري صيني لروسيا 

وضمن المشهد العسكري، تشير مصادر عسكرية غربية إلى أنّه وعلى الرغم من الموقف المتحفظ لبكين من الحرب الروسية الأوكرانية، إلا أنّ المساعدات العسكرية الصينية تلعب دورا بارزا في ترجيح الكفة الروسية في الصراع.

وتؤكد المصادر أنّ الصين قدمت معلومات استخباراتية لروسيا حتى تتمكن الأخيرة من توجيه ضربات صاروخية دقيقة داخل أوكرانيا، مشيرة إلى وجود أدلة على مستوى رفيع من التعاون الثنائي يتعلق بعمليات استطلاع بالأقمار الصناعية للأراضي الأوكرانية لتحديد المواقع الاستراتيجية.  

وسبق للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن اتهم بكين بتزويد روسيا بالأسلحة والذخيرة وبأنها تنتج أسلحة على الأراضي الروسية.

وفي سياق متصل، بالتعاون العسكري بين روسيا والصين، تشير المصادر الروسية الرسمية إلى أنّ بكين دعمت المجهود الحربي الروسي من خلال استيراد موارد الطاقة الروسية وسد الثغرات في السوق الروسية الناجمة عن العقوبات الغربية وعن الانسحاب الطوعي لبعض الشركات الغربية.

وتضيف أنّ هذا الاستيراد شمل توريد المنتجات المدنية والعسكرية ذات الاستخدام المزدوج مثل الدوائر الإلكترونية المتكاملة، حيث بلغت نسبة صادراتها زيادة بـ140% بين عامي 2021 و2023.

كما قدمت الصين تقنيات صناعية، بما في ذلك الآلات والمحركات، لترتفع حصتها في واردات روسيا من الآليات من 28% في عام 2021 إلى حوالي 90% في عام 2023.

ونتيجة لذلك، تعمقت العلاقات الاقتصادية بين الصين وروسيا بشكل أكبر؛ إذ نمت حصة الصين في التجارة الخارجية لروسيا من 18% في عام 2021 إلى 33% في عام 2023، مع ارتفاع الواردات من 25% إلى 39% وارتفاع الصادرات من 13.8% إلى 28%. في الأشهر العشرة الأولى من عام 2024، شكلت الصين 33.8% من التجارة الخارجية لروسيا.

تحفظات واستدراكات

وعلى الرَّغْم من جميع ما سبق ذكره، إلاَّ أنّه توجد مقاربةٌ ثانية للعلاقات الصينية الروسية، تُقاربها من زاوية التقارب لا التحالف، وتنظر إليها عبر نقطة "حسن الإدارة الثنائية للاختلافات والتباينات" أكثر منها "حسن الإدارة الثنائية للشراكات والتوافقات".

وتبني هذه المقاربة التي يعبر عنها بعض من المراقبين الروس والصينيين والكثير من المتابعين الغربيين، تصورها على 4 ملفات كبرى: 

الملف الأول: يتمثل في الاختلاف في تمثلات الطرفين للصراع مع الغرب عامة وأمريكا خاصة، ففي حين تنظر موسكو لهذا القطب الغربي من زاوية العداء والتناقض الاستراتيجي، تُقارب بكين هذا "النادي الغربي" من زاوية القطب الدوليّ الذي يحتاج لـ"تعديل ذاتي" ويستوجب اعترافا من لدنه بوجود أقطاب دولية وإقليمية أخرى.

الملف الثاني: ويتجسد في التخوف الصيني من الحذر الروسي "المبالغ فيه" – وفق توصيف الجهات القريبة من بكين- لقضية تايوان، ولقضايا الأقليات "الانفصالية"، حيث لم يصدر إلى اليوم موقف روسي يوافق على الانخراط العسكري مع الصين في حال نشبت حرب مع تايوان، كما أنّ موسكو تتحفظ من إصدار مواقف قوية وعلنية حول الأقليات التي تسميها بكين بالانفصالية خشية من ردود أفعال المسلمين الروس لديها، وعلى رأسهم "الشيشان"، وهم قوة اجتماعية وعسكرية لا يستهان بها أبدا.

الملف الثالث: ويتمثل في الخشية الروسية من التوغل الصيني في المجال الحيوي الروسي، وبالضبط في دول "آسيا الوسطى"، وقدرة بكين على استغلال الانكفاء الروسي بفعل الحرب في أوكرانيا، لاستدراج هذه الدول ضمن مبادرة "الحزام والطريق"، وإبرام اتفاقيات وشراكات استراتيجية، مع دول تُعتبر في الأدبيات الروسية حدائق خلفية لموسكو.  

أخبار ذات علاقة

خط سكة حديد نيروبي-مالابا

"استثمار الظل".. الصين تحرك "الأذرع الخاصة" للتغلغل في أفريقيا

أما الملف الرابع فهو الملف الأفريقي، فلئن كان لموسكو السبق في بناء علاقات تاريخية مع الدول الأفريقية تحت عنوان التحرر الوطني من ربقة الاستعمار، ولئن رفع المتظاهرون في مالي والنيجر وبوركينافاسو العلم الروسي وصور فلاديمير بوتين خلال دعوتهم للانسحاب الفرنسي والأمريكي وحتى الأممي، فإنّ الوريث الحقيقي للقوى الاستعمارية لم يكن روسيا بقدر ما كانت بكين. 

ووفق الخبراء، فإنّ الوجود الروسي الحقيقي في منطقة الساحل الأفريقي يقتصر فقط على قوّة فيلق أفريقيا – وهي قوة استبدلت بها موسكو قوات فاغنر- وبعض الاستثمارات الأخرى غير الوازنة، في حين أنّ الوجود الصيني في منطقة الساحل خاصة وفي القارة الأفريقية عامة، يتفرع على الأبعاد الاقتصادية والاستثمارية والعسكرية والأمنية وحتى التقنية. 

ويضيفون، أنّ ما مهدت له موسكو من علاقات تاريخية وسياسية وعسكرية، وظفته بكين في فلسفتها للتوسع والامتداد، تحت عنوان "رؤية 2049". 

ويعتبر الخبراء، أنه على الرغم من كل هذه الاستدراكات الموجودة، والتي تتدعم أيضا بالفوارق الكبرى في الميزان التجاري بين الصين وروسيا، من حيث الصادرات والواردات، إلا أنّ هذا التقارب الثنائي محكوم بـ"تحالف الضرورة".  

فروسيا لن تجد حليفا يساعدها على تجاوز العقوبات أو على الأقل التخفيف من شدّة وطأتها مثل الصين، وبفضل الأخيرة يمكنها إبرام شراكات ثلاثية ورباعية سواء عبر مبادرة "الحزام والطريق"، أو صلب منظمة "شنغهاي"، أو صلب "البريكس" أو غيرها. 

أمّا الصين، ولئن كانت في موقع أكثر أريحية من روسيا، - باعتبار أنها ليست تحت ضغط حرب استنزاف- فإنّ الإجراءات الأخيرة التي أعلنها دونالد  ترامب بفرض رسوم جمركية عالية المستوى على البضائع والسلع الصينية لن تكون غير حلقة جديدة من مسلسل الحرب التجارية المشتعلة بين البلدين، ستتطلب من الصين إخراج كل أوراقها وتوظيف كل حلفائها فيها، وعلى رأسهم الجارة الروسية.  

أخبار ذات علاقة

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب

في خطوة تصعيدية.. ترامب يزيد التوتر مع الصين برسوم جمركية ضخمة

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC