شهدت القارة الأوروبية خلال الأشهر الأخيرة موجة من الطائرات المسيرة التي اخترقت أجواء عدة دول، ما أثار قلقًا حقيقيًا حول هشاشة دفاعاتها أمام تهديدات جوّية حديثة.
وسط هذا المناخ الأمني المتوتر، بدأ الاتحاد الأوروبي وبالتعاون مع حلف شمال الأطلسي التفكير في مشروع "جدار المسيرات"، وهو شبكة دفاعية متعددة الطبقات تهدف إلى رصد وتعطيل الطائرات المسيّرة، لحماية الحدود والمنشآت الحيوية من تهديدات روسية محتملة.
ووفقا للمراقبين يقف هذا المشروع وإن حمل توقعًا أمنيًا كبيرًا أمام تحديات تقنية واقتصادية وسياسية كبيرة، تجعل من نجاحه رهنًا بالتنسيق والتمويل والقدرة على تفعيل منظومة دفاعية متكاملة.
وأكدت أورسولا فون دير لاين أن بناء "جدار المسيرات" بات ضرورة ملحة لحماية أوروبا من توغلات جوية روسية، معتبرة أن الرد الأوروبي يجب أن يكون موحدًا وقويًا.
وتبنى الأمين العام للناتو مارك روته الفكرة مشيراً إلى أن الاستثمار في الدفاع ضد المسيرات "في وقته" لأن تكلفة الصواريخ الاعتراضية أعلى من تكلفة الطائرات المسيّرة البسيطة.
ووفقا للمصادر، فإن مشروع "جدار المسيرات" يواجه عدة عقبات، أبرزها أن تغطية الجناح الشرقي للاتحاد الأوروبي وحده تتطلب ميزانية ضخمة وإمكانات لوجستية عالية، بالإضافة إلى أن الاعتماد على الطائرات بدون طيار كطبقة دفاعية، دون دمج منظومات الصواريخ المضادة أو دفاعات أرض - جو متوسطة وبعيدة المدى، قد يجعل الجدار هشّاً أمام هجمات متناسقة أو مركّبة.
ويرى الخبراء أن تكرار تحليق الطائرات المسيرة فوق مطارات أوروبية هو ما دفع الاتحاد الأوروبي إلى البحث في إنشاء ما يُسمى بـ"جدار الطائرات المسيّرة" كخط دفاع جوي متعدد الطبقات.
وقال العميد نضال زهوي، المحلل العسكري والاستراتيجي، إن التحول التكتيكي في العمليات العسكرية ودخول الطائرات المسيرة القصيرة المدى إلى الحرب بين روسيا وحلف الأطلسي جعل هذه المسيرات جزءًا أساسيًا من العمليات الحديثة.
وأشار زهوي لـ"إرم نيوز" إلى أن هذا التطور بات يشكّل خطرًا على دول عديدة، خاصة الأوروبية التي لا تنتج هذا النوع من المسيرات بالكميات الكافية.
تكلفة اقتصادية ضخمة
وكشف زهوي أن التفكير الأوروبي في إنشاء ما يسمى بـ"جدار الطائرات المسيرة" جاء نتيجة هذا التحول، مشددًا على ضرورة النظر إلى المشروع من زاويتين، اقتصادية وتقنية.
وأضاف الخبير العسكري والاستراتيجي، أن التجربة الإسرائيلية في التعامل مع الصواريخ تبقى مهمة لكن التعامل مع المسيرات يختلف جذريًا وقد ينجح جزئيًا فقط داخل أوروبا خاصة مع وجود فجوات تقنية لدى دول مثل المجر.
ولفت إلى أن اتساع مساحة الاتحاد الأوروبي يجعل من الصعب اعتماد خط دفاع يشبه خط ماجينو، فالمسيّرات القادرة على التحليق لمسافات طويلة تستطيع الالتفاف من اتجاهات متعددة بما فيها البحر المتوسط.
وأوضح العميد نضال زهوي، أن الجداول الخاصة بالمشروع تكشف تكلفة اقتصادية ضخمة لا يستطيع الاتحاد الأوروبي تغطيتها، ما قد يجعل الجدار هشًا بطبقات دفاعية أفقية قابلة للاختراق.
وقال زهوي إنه لا يوجد اتفاق أوروبي حقيقي حول المشروع، وإن ما طرح مجرد دراسة أشارت إليها الولايات المتحدة دون تقديم جدول تنفيذي واضح.
ومن جانبه، قال كارزان حميد المحلل السياسي والخبير في الشؤون الأوروبية، إن أوروبا تعيش منذ أشهر حالة إعادة ترتيب إستراتيجية بعد تزايد اختراقات المسيرات فوق مطارات عدة، ومع تقدم القوات الروسية ميدانيًا على حساب نظيرتها الأوكرانية.
"خيبة" محتملة من واشنطن
وأكد حميد لـ"إرم نيوز" أن الابتعاد الأوروبي عن المظلة الأمريكية سببه مخاوف من "خيبة" محتملة من واشنطن في الملف الأوكراني، وهو ما أثار قلقًا واسعًا في الأوساط الأوروبية.
وأشار حميد إلى أن المشكلة لا تقتصر على المسيّرات الروسية، فبعض المسيرات كانت داخلية المنشأ وأخرى أمريكية تجسسية حلّقت فوق مواقع ألمانية، في وقائع لا ترغب العواصم الأوروبية في الاعتراف بها علنًا، وفق تعبيره.
وأكد الخبير في الشؤون الأوروبية أن القوانين الداخلية الأوروبية المتقادمة تُعد أحد أسباب ضعف بروكسل في حماية أجوائها، وأن الانفتاح على الشركات العابرة للقارات وفق نظرية العولمة كشف هشاشة البنية الأوروبية خلال أزمة كوفيد-19.
وأضاف أن التطور العسكري يجعل أي منظومة دفاعية عرضة للاختراق، وأن أوروبا تتجه نحو مسار ثبت فشله عمليًا في أوكرانيا وروسيا، حيث لم تنجح أي من الدولتين في صد المسيرات الانتحارية بالكامل.