logo
العالم

أجواء أوروبا "المنتهكة".. تحديات تعرقل "درع السماء" و"جدار المسيّرات"

طائرات حربية روسية خلال عرض عسكريالمصدر: رويترز

تتعرض أجواء أوروبا لانتهاكات متكررة من مسيرات أو بالونات استطلاع، أو حتى اختراقات من قبل مقاتلات روسية، ولا سيما بولندا، التي تعد الجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي "الناتو"، فيما تبدو "القارة العجوز" عاجزة عن التصدي لهذه الانتهاكات التي زادت في الآونة الأخيرة.

وكانت أوروبا أطلقت منذ بدء الحرب الأوكرانية مشروعين للتغلب على هذه المعضلة، الأول سمي بـ "درع السماء الأوروبية" الذي تقوده ألمانيا منذ عام 2022.

ويهدف المشروع إلى إنشاء شبكة دفاع جوي مشتركة بين دول القارة، تضم أنظمة مختلفة بحيث تعمل كلها بتناغم لتشكيل "مظلة دفاعية" تغطي أوروبا ضد "الصواريخ والطائرات المعادية".

أما المشروع الثاني، فيُعرف باسم جدار المسيّرات الأوروبي، وهو مبادرة أحدث، أطلقتها المفوضية الأوروبية بالتعاون مع فنلندا وبولندا ودول البلطليق، قبل نحو شهرين، ويركّز على حماية الحدود الشرقية من المسيرات، كما يشير اسم المشروع الذي يشمل شبكة من الرادارات وأجهزة تشويش وأنظمة اعتراض تعمل آليًا.

ورغم هذه المشروعات الطموحة، إلا أن ثمة عقبات وتحديات تحول دون فعاليتها قريبًا، فمن المقرر أن يصبح مشروع الجدار جاهزًا بحلول عام 2027، بينما يمتد اكتمال مشروع "درع السماء" إلى نحو عام 2030.

انقسام سياسي

رغم القدرات المالية والتكنولوجية التي تتمتع بها دول القارة، فإن هذه القدرات، وفقًا لخبراء، تغدو ضئيلة القيمة حيال الانقسام السياسي في أوروبا وأولويات كل دولة على حدة.

ومن المعروف أن فرنسا تدعو إلى "الاستقلال الاستراتيجي" عن حلف الناتو، بينما ترى دول أخرى متاخمة لروسيا، مثل بولندا ودول البلطيق أن الولايات المتحدة هي الضامن الوحيد لأمنها، وهي تعتمد على هذا "التكتيك" الذي يعجز عن صون أجوائها، خصوصًا في ظل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد تارمب الذي "يتأفف" من حماية الآخرين دون مقابل، ويدعو أعضاء الناتو إلى زيادة إنفاقها الدفاعي في إطار الحلف.

وفي المقابل، تفضل ألمانيا "القيادة الجماعية"، فرغم كونها الدولة الأقوى اقتصاديًا في أوروبا، إلا أنها لا ترغب في أن تقود القارة وحدها، بل تفضّل أن تكون "القيادة مشتركة".

ويرى خبراء أن سياسة برلين، المتمثلة في الظهور كـ"قائد بين شركاء"، لا كـ"قائد فوقهم"، يعكس طبيعة التفكير الألماني منذ الحرب العالمية الثانية، إذ تحاول ألمانيا تجنب "صورة الهيمنة"، والتي قد تحيي مشاعر سلبية حيال التاريخ القاتم للحقبة النازية.

ومثل هذا الانقسام السياسي الأوروبي في مقاربة القضايا الدفاعية، يتفرع عنه سبب آخر للإخفاق، بحسب مراقبين، وهو أن الاتحاد الأوروبي لا يملك جيشًا موحّدًا، بل إن التنسيق العسكري يتم في إطار الناتو، أي تحت القيادة الأمريكية بالأساس.

ويرى مراقبون أن هذا التقليد العسكري يخلق إشكالًا، فالدول الأوروبية، وعند حدوث أي طارئ، تنتظر غالبًا توجيهات من واشنطن قبل الرد أو الاعتراض، لكن في حال حدوث انتهاكات محدودة كاختراق المسيرات مثلًا، فيترك لكل دولة التصرف بمفردها، وهو ما يجعل الرد على الانتهاكات بطيئًا ومتفاوتًا من بلد لآخر.

وثمة عراقيل عسكرية تقنية، كما يلاحظ مراقبون، تعيق الرد الحاسم على اختراقات المسيرات والبالونات، وتتمثل في غياب منظومة دفاع جوي أوروبية موحَّدة، بمعنى أن كل دولة تملك راداراتها وصواريخها ومراكز القيادة الخاصة بها، وغالبًا لا تتبادل البيانات في الوقت المطلوب.

وهذا ما يفسر اختراق الطائرات الروسية للمجال الجوي لفنلندا أو بولندا أو دول البلطيق، ولا تستطيع بقية أوروبا رصدها فورًا لأنّ الشبكات غير متصلة بالكامل، بحسب خبراء.

علاوة على ذلك، فإن بعض الدول مثل بولندا وألمانيا تستخدم منظومات باتريوت الأمريكية، بينما فرنسا وإيطاليا تستخدمان منظومات أوروبية، ما يعني اختلاف البروتوكولات التقنية وأنظمة الاتصال.

حقبة ما بعد الحرب الباردة

منذ انتهاء الحرب الباردة، مطلع تسعينيات القرن الفائت، بين المعسكرين الشرقي بقياد الاتحاد السوفييتي السابق والغربي بقيادة الولايات المتحدة، شرعت الدول الأوروبية في خفض ميزانيات الدفاع بشكل كبير، وأصبحت أكثر اعتمادًا على "المظلة الأمنية الأمريكية".

ووفقًا لتقارير عسكرية، فإن الدول الأوروبية أزالت العديد من بطاريات الدفاع الجوي من الخدمة، من ذلك الحين، ولم تجرِ تحديثات لأنظمة الرادار، كما أهملت تدريب الطيارين، فيما تقلص المخزون من الصواريخ الدفاعية.

فألمانيا على سبيل المثال، لم تكن تملك حتى عام 2022، حين بدأت روسيا بخوض الحرب الأوكرانية، سوى بضع بطاريات باتريوت لحماية أراضيها الشاسعة، وهو ما يعتبر تقصيرًا عسكريًا واضحًا، بحسب خبراء.

لكن، ومنذ بدء الحرب على حدودها الشرقية، انهمكت أوروبا في تخصيص مليارات الدولارات للجانب الدفاعي والأمني، لكن ذلك، ووفقًا لخبراء، يحتاج إلى وقت طويل حتى تحصل على النتائج المرجوة.

ويضاف إلى كل ما سبق، تغيير طبيعة التهديات التي لم تعد تقتصر على الطائرات المقاتلة، بل ثمة الآن مسيّرات صغيرة منخفضة الارتفاع يصعب رصدها، إضافة إلى بالونات استطلاع أو أجهزة تجسس غير مأهولة، ومثل هذه الأهداف تتفادى غالبًا الرادارات ما يجعل من الصعب رصدها فورًا.

ويشير خبراء إلى سبب آخر للإخفاق الأوروبي في حماية مجالها الجوي، ويتمثل في البيروقراطية التي تعتمدها الدول الأوروبية، والتي تطال الجانب العسكري كذلك، فحتى القرارات التقنية، من قبيل من يُطلق صاروخ الاعتراض أو من يتحمل كلفته، تحتاج إلى تصاريح متعددة بين الحكومات. 

أخبار ذات علاقة

فيديو

مارك1.. صاروخ أوروبا الجديد ضد عاصفة المسيرات الروسية (فيديو إرم)

ومثل هذه البيروقراطية المتحكمة في الأمور العسكرية تجعل الرد السريع وفي الوقت المناسب، مستحيلًا.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC