يحاول عالَم الطيران جاهدا فهم كيفية وقوع تصادم جوي مميت بين طائرة ركاب ومروحية عسكرية في ما وصفه أحد الخبراء بأنه "الجزء الأكثر سيطرة في المجال الجوي في العالم"، وفقا لهيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي.
واصطدمت مروحية بلاك هوك تابعة للجيش الأمريكي على متنها طاقم من 3 أفراد بطائرة تابعة لشركة الخطوط الجوية الأمريكية تحمل 64 شخصًا قبل ثوانٍ من هبوط طائرة الركاب في مطار واشنطن الوطني.
وانحرفت الطائرتان بسرعة إلى نهر بوتوماك الجليدي ليلة الأربعاء.
ويشهد المجال الجوي فوق العاصمة الأمريكية مئات الرحلات الجوية المدنية والعسكرية كل يوم، بما في ذلك المروحيات المكلفة بنقل كبار المسؤولين والسياسيين بين المواقع الحساسة.
خبير الطيران المقيم في المملكة المتحدة جون ستريكلاند قال إن حجم حركة المرور الجوي التجاري في المنطقة لا يمكن أن يفسر تمامًا سبب حدوث الاصطدام المميت.
ونوه بأنه بالإضافة إلى مطار واشنطن الوطني القريب من وسط المدينة، هناك المعبر الدولي، واشنطن دالاس، وأيضًا مطار بالتيمور الأبعد قليلاً.
وقال ستريكلاند "يجب أن تكون هناك إدارة لتدفقات المرور للحفاظ على الفصل. الأمر أشبه بما يحدث في لندن حيث يتعين عليك إدارة تدفقات المرور بين مطارات هيثرو وستانستيد وغاتويك ولندن سيتي. لذا فإن واشنطن العاصمة لا تختلف بهذا المعنى عن لندن أو نيويورك".
ومع ذلك، هناك مساحة جوية مقيدة كبيرة فوق مقاطعة كولومبيا، حيث يقع البيت الأبيض ومبنى الكونغرس الأمريكي، عبر نهر بوتوماك من مطار ناشونال.
واتفق الخبراء على أن تقاطع حركة المرور الجوي المدني مع الرحلات العسكرية المنتظمة يجعل المجال الجوي لواشنطن العاصمة أكثر تعقيدًا.
وقال مستشار الطيران فيليب باتروورث هايز إن الحادث وقع عند "تقاطع أنظمة الطيران المختلفة"، بما في ذلك الأنظمة المدنية والعسكرية، فضلاً عن الإجراءات الخاصة بالمطار.
وأضاف: "هذا هو الجزء الأكثر سيطرة من المجال الجوي في العالم. لديك أنظمة حكومية ومدنية أمريكية، حتى إن مطار رونالد ريغان مملوك للحكومة، وهو واحد من عدد قليل جدًا من المطارات من هذا القبيل. هذا حقًا هو المجال الجوي الأكثر أمانًا -ويجب أن يكون الأكثر أمانًا- في العالم، نظرًا إلى عدد منظمات الأمن والسلامة المدنية العاملة في هذه المنطقة".
وأكد الخبراء أن الطائرتين كانتا على اتصال مباشر بمراقبة الحركة الجوية المدنية.
وأظهرت لقطات حصلت عليها شبكة سي بي إس نيوز، شريكة بي بي سي الإخبارية الأمريكية، من مصدر مراقبة الحركة الجوية، الطائرتين اللتين يبدو أنهما شاركتا في الحادث مرئيتين بوضوح على أنظمة الرادار التي يمكن الوصول إليها من قبل المراقبين.
وهناك تقارير تفيد بأن المروحية كانت على اتصال بمراقبة الحركة الجوية وتم توجيهها لتجاوز الطائرة من خلفها، ما أثار مزيدا من الأسئلة حول سبب اصطدامهما.
وقال باتروورث هايز إن اصطداما جويا مثل هذا يفسر بأن عددًا من الأشياء تسير بشكل خاطئ.
وأوضح أنه من أجل الطيران في المجال الجوي المدني، كان من الضروري تزويد المروحية العسكرية بجهاز إرسال واستقبال ينبه الطائرات المحيطة بموقعها.
وهذا يعني أنه كان يجب أن تتمكن كلتا الطائرتين من رؤية بعضهما بعضا، كما يقول، بالإضافة إلى وجود تعليمات من مراقبة الحركة الجوية وجهاز أمان لحماية الطائرات يعمل بشكل منفصل عن بعضهما بعضا.
وقال: "في هذه المرة، لديك نظامان مختلفان وكان يجب أن يكون كلاهما قادرًا على إبقاء هذه الطائرات منفصلة".
وكانت مروحية بلاك هوك جزءًا من سرية تابعة للكتيبة الجوية الـ12، وقد غادرت فورت بيلفوار، وهي قاعدة عسكرية في فرجينيا، وكانت تشارك في تمرين تدريبي.
وفي حديثه لشبكة سي إن إن ، قال سيدريك ليغتون، العقيد المتقاعد في القوات الجوية الأمريكية، إنه من الطبيعي أن يتدرب هذا النوع من الطائرات العسكرية ليلاً في المنطقة، خاصة للتأكد من أن الطيارين يتقنون استخدام الأدوات اللازمة للطيران في الظلام.
وقال إن إحدى مهام الوحدة هي نقل أفراد رفيعي المستوى في أنحاء العاصمة، ومع ذلك، أصبح من المعروف الآن أن أفراد الطاقم فقط كانوا على متن الطائرة وقت الاصطدام.
وأضاف أنه يُتوقع أن يكون طيارو الوحدة ماهرين في الطيران في المجال الجوي المزدحم في العاصمة واشنطن، وأن "يتدربوا من أجل تجنب حوادث مثل هذه".
وذكر باتروورث هايز أن الطيارين ذوي الخبرة فقط هم القادرون على التدريب في مثل هذا الجزء المزدحم من المجال الجوي.
وتالع قائلا: "سواء كان التدريب على أنظمة أو معدات جديدة، فنحن بحاجة إلى معرفة الأنظمة التي شغلها الطيار في المروحية وما إذا كان لديه جميع أنظمة السلامة على متن الطائرة، أو ما إذا كان يحاول أن يتخذ إجراءً جديدًا أو مسارًا جديدًا".
وقال خبير الطيران نيل هانسفورد إن الاصطدام يثير أسئلة محددة للسلطات الجوية الأمريكية، ومن المرجح أن يؤدي إلى إجراء مراجعة شاملة للإجراءات.
وأكد أن مثل هذا الحادث لن يقع في أوروبا أو أستراليا لأن هناك قواعد أكثر صرامة تحكم مسارات الطيران، وفق تقديره.
ويرى ستريك لاند أن هناك عاملًا آخر في المأساة هو السرعة المنخفضة التي كانت الطائرة تحلق بها لأنها كانت تقترب من الهبوط.
وأوضح: "إذا حدثت أي صدمة كبرى، فلن يكون هناك وقت حقيقي، حتى لو نجا الطاقم، للقيام بأي شيء. تتمتع الطائرة بدرجة من الضعف بسبب سرعتها، يمكنك أن تتخيل أن النتيجة المماثلة كانت محتملة حتى مع طائرة أكبر بكثير".