logo
العالم

مناجم الذهب في قلب الصراع.. "قوس التعدين" الفنزويلي يؤجج سيناريو الحرب

أحد مناجم الذهب - فنزويلا

تجتذب مناجم الذهب في فنزويلا المافيات والعصابات العالمية بسبب الانهيار الاقتصادي في البلاد، وارتفاع أسعار الذهب، والافتقار إلى سيادة القانون، مما يخلق بيئة مثالية للجريمة المنظمة.

 وتلعب دول مثل روسيا وإيران وتركيا أدوارا في هذه التجارة، وغالبا ما تكون بمثابة وجهات للذهب المهرب، مما يساعد نظام نيكولاس مادورو على التهرب من العقوبات الدولية، وفقا لما تكشفه العديد من التقارير الغربية والدولية. 

أخبار ذات علاقة

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو

ترامب وفنزويلا.. هل تتحول لعبة شد الأصابع إلى إسقاط مادورو؟

أكبر اقتصاديات الظل

منذ إطلاق مرسوم "قوس التعدين في أورينوكو" جنوبي فنزويلا، تحوّل الإقليم إلى واحد من أكبر اقتصاديات الظل في أمريكا اللاتينية. 

وتوثق تقارير "هيومن رايتس ووتش" والأمم المتحدة و"مجموعة الأزمات الدولية" سيطرة عصابات مسلّحة وميليشيات محلية، وأحياناً وحدات من الجيش، على مواقع استخراج الذهب، مع انتهاكات ممنهجة تشمل الاستعباد والعمل القسري والابتزاز والقتل.

هذه المنظومة لا تقتصر على هذا الإقليم فقط وفقا للتقارير؛ إنها شبكة تمتد في ولايتي بوليفار وأمازوناس، وتوفّر تمويلاً لمجموعة واسعة من الفاعلين غير الرسميين داخل وخارج الدولة. 

عقدة المافيات العابرة للحدود

يؤكد رصد أكاديمي وصحافي (LSE، CSIS، MAAP) ترسّخ حضور جماعات كولومبية مسلّحة (فصائل منشقّة عن تنظيم "فارك" الكولومبي المسلح)، إلى جانب عصابات فنزويلية "برانيس" على طرق المناجم والأنهار، حيث تتقاطع تجارة الذهب مع تهريب المخدرات والبشر والوقود.

وفي بعض المناطق، يوثّق الرصد تنسيقاً أو غض طرف من سلطات محلية وعسكرية، ما حوّل "القوس" إلى "بقعة سوداء" خارجة عن حكم القانون. وحتى عندما شنّت الحكومة عمليات إخلاء في "ياباكانا" أواخر 2022، عادت الأنشطة غير القانونية للواجهة في 2025، بحسب صور الأقمار الاصطناعية. 

بين 2018 و2019 غيّرت كراكاس وجهة صادرات الذهب بعيداً عن مسارات تراقبها واشنطن. وأظهرت بيانات رسمية تركية أن أنقرة استوردت بمئات الملايين من الدولارات ذهبا فنزويليا خلال أشهر، فيما تحدّثت روايات معارضة عن استخدام طائرات مملوكة لروسيا لنقل سبائك إلى مالي عام 2020 لتسييلها مقابل عملات صعبة. هذه الشبكات وصفتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بأنها عالية المخاطر لناحية غسل الأموال وتمويل النزاعات.  

أخبار ذات علاقة

قوات أمريكية في الكاريبي

تأثير الدومينو.. هل تتمدّد "حرب المخدرات" من فنزويلا إلى خصوم ترامب "اليساريين"؟

لماذا يقلق الذهب واشنطن؟

فرضت الولايات المتحدة عقوبات على قطاع الذهب الفنزويلي منذ عام 2018، باعتباره "رافعة لتمويل أنشطة غير مشروعة" ودعم شبكات إجرامية. وفي 2024–2025 صعّدت واشنطن خطابها وإجراءاتها الأمنية في الكاريبي، وأطلقت النار على قوارب قالت إنها تُهرّب مخدرات من وإلى فنزويلا، بالتوازي مع زيادة الوجود البحري.

منتقدو هذه الاستراتيجية يرونها منزلقاً نحو مواجهة مفتوحة ويتساءلون عن قانونية ضربات غير مُعلنة التفاصيل؛ لكن صانعي القرار في واشنطن يربطون بين شبكات المخدرات والذهب غير القانوني باعتباره "شريان تمويل" لنظام مادورو والجماعات المتحالفة معه. 

وتُدرك واشنطن أنّ موارد الذهب، إلى جانب النفط، جاذبة لمنافسيها وخصومها، حيث برزت تركيا كوجهة تكرير وتجارة للذهب الفنزويلي بعد العقوبات؛ فيما ظهرت روسيا في خلفية الشحنات والمعاملات، ومن قبل في مشروع "البترو" لتفادي العقوبات، بينما يَرِد اسم إيران في اتفاقات تعاون بعيدة المدى تشمل التعدين ضمن شراكات اقتصادية أوسع. وهذا التموضع يمنح كراكاس قنوات تمويل بديلة ويُبقيها خارج الخنق المالي الأمريكي. 

مناجم تتحوّل إلى بؤر تجنيد وتسليح

ترى تقارير بحثية وصحفية أن مناطق الذهب أصبحت "حاضنة" لتلاقي المصالح: عصابات تبحث عن الريع السريع، جماعات متمرّدة تستفيد من الجغرافيا والغنائم، ومسؤولون محليون يتربّحون من "الجباية" وحماية الطرق.

"مجموعة الأزمات الدولية" تتحدث عن دوامة عنف يتغذى بعضها من بعض؛ إتاوات على الحفارات، تجارة زئبق، عبودية جنسية، وتدفّق سلع ملوّثة بالسلاسل القذرة إلى الخارج. هذا كله يرسّخ انطباعا أمريكيا بأن الذهب بات "مركز ثقل" لشبكات تتحدى النظام الإقليمي الذي تقوده واشنطن. 

"طبول الحرب" 

تصاعدت خلال الأسابيع الأخيرة لغة القوة؛ تعبئة بحرية أمريكية، ضربات متكررة على قوارب يُشتبه بارتباطها بالتهريب، وتلميحات إلى عمليات أوسع ضد ما قالت إنها "منظمات المخدرات"، لكن فنزويلا نددت بالعمليات الأمريكية ووصفتها بـ "العدوان غير المشروع"،  فيما حذّرت أصوات بحثية من "انزلاق نحو تغيير النظام" بذريعة مكافحة المخدرات.

ورغم أن ربط الذهب بهذه الحملة ليس مباشراً في الخطاب الرسمي الأمريكي، إلا أنه حاضر بقوة في الخلفية باعتباره محفظة تمويل موازية لشبكات تتهمها واشنطن بإدامة حكم مادورو وتهديد حلفائها (ومنهم غيانا على خلفية نزاع إيسيكويبو).  

أخبار ذات علاقة

المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف

الكرملين: روسيا تراقب من كثب الوضع في فنزويلا

وتدلّ الوقائع المتقاطعة على أن مناجم الذهب في جنوب فنزويلا خرجت من كونها "قطاعا استخراجيا" إلى منظومة أمن - اقتصاد هجينة تضم عصابات مسلحة تعبر الحدود، مع تواطؤ محلي موثق، ومسارات تصدير تتجاوز الرقابة الغربية نحو شركاء تُخاصمهم واشنطن. 

ربما هذا ما يفسّر تشدد الولايات المتحدة في استهداف "منابع التمويل البديل"، سواء عبر العقوبات أو عبر إظهار القوة في الكاريبي، وسط مخاوف متزايدة من أن يتحوّل الذهب الفنزويلي إلى "ذهب دم" جديد يغذي الاستبداد والعنف العابر للحدود.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC