رئيس الموساد يعتبر أن على إسرائيل "ضمان" عدم استئناف إيران لبرنامجها النووي

logo
العالم

يورانيوم بالسوق السوداء.. مخاوف من انفجار قنبلة الإرث النووي السوفيتي

براميل تحمل نظائر يوارنيوم خطرةالمصدر: غيتي إيمجز

في مشهد يعيد إلى الأذهان كوابيس الحرب الباردة، أعلنت السلطات الجورجية اعتقال 3 مواطنين صينيين حاولوا شراء كيلو غرام من اليورانيوم مقابل 400 ألف دولار، في صفقة كانت ستنقل المادة إلى الصين عبر روسيا.

الواقعة النادرة لم تكن مجرد جريمة تهريب عابرة، بل جرس إنذار جديد حول هشاشة منظومة تأمين المواد النووية التي خلفها الاتحاد السوفيتي بعد انهياره عام 1991، والتي ظلّت لعقود مصدر قلق للمجتمع الدولي، وهاجسًا لأجهزة الاستخبارات العالمية.

وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي، انهارت معه المنظومة الأمنية التي كانت تراقب آلاف الأطنان من المواد النووية المنتشرة في المفاعلات والمختبرات عبر أراضيه الشاسعة.

ووجد العالم نفسه أمام واقع جديد، خاصة أن مخزونات نووية في 15 دولة مستقلة لا تمتلك جميعها البنية التحتية أو التمويل الكافي لتأمينها. 

ومع الأزمة الاقتصادية الخانقة في التسعينيات، بدأ بعض العاملين في هذا القطاع يبيعون ما يمكن بيعه من معدات علمية إلى مواد مشعة، ما فتح الباب أمام شبكات تهريب دولية لا تزال آثارها ترصد حتى اليوم.

أخبار ذات علاقة

علم جورجيا

وكالة: جورجيا تعتقل 3 صينيين حاولوا شراء اليورانيوم بطريقة غير مشروعة

تفكك الاتحاد السوفيتي

ويرى خبراء أن حادثة تبليسي تكشف استمرار الثغرات في منظومة الرقابة النووية، رغم مرور أكثر من 3 عقود على تفكك الاتحاد السوفيتي، وأن القوقاز ما زال منطقة رخوة في الأمن النووي الدولي، وأن عمليات الخصخصة والإهمال خلال التسعينيات أدت إلى تسرب بعض المعدات والمواد الحساسة إلى السوق السوداء. 

وشدد الخبراء على أن الأمن النووي لا يقتصر على الأسلحة الاستراتيجية، بل يمتد إلى كل غرام من المواد القابلة للاستخدام أو التحويل، ما يستدعي تحديث آليات المراقبة والتعاون الاستخباراتي الدولي للحيلولة دون وقوع هذه المواد في الأيدي الخطأ.

وبهذا السياق، قال مدير مركز "جي إس إم" للأبحاث والدراسات في روسيا، د. آصف ملحم، إن الإرث العلمي والتقني في مجال التكنولوجيا النووية لدى الاتحاد السوفيتي السابق ضخم جدًا، وأن هناك انتشارًا واسعًا للمختبرات والمفاعلات البحثية والمنشآت العلمية في جمهوريات الاتحاد السابقة. 

وأكد ملحم، في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن هذه البنية التحتية تعرضت لإهمال كبير حتى داخل روسيا نفسها، نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة التي مرت بها البلاد في التسعينيات وما بعدها.

وأضاف أن الإهمال ونقص الرقابة أديا إلى تدهور العديد من المختبرات والبرامج البحثية، مشيرًا إلى أنه خلال "موجة الخصخصة" آنذاك، تم بيع معدات متقدمة ومنشآت تكنولوجية بأسعار زهيدة، ما أتاح لبعض المافيات وشبكات التهريب استغلال هذه الثغرات في المتاجرة غير المشروعة بالمعدات والمواد الحساسة. 

مرحلة الرقابة الصارمة

وأشار ملحم إلى أن هذه الظاهرة طالت قطاعات صناعية وبحثية متقدمة، وأنها أنهت فعليًا "مرحلة الرقابة الصارمة" على أدوات وتقنيات كان من المفترض أن تبقى تحت إشراف رسمي محكم.

وأوضح أن سوق المعدات والمواد الثمينة كانت نشطة للغاية في تلك الفترة، مؤكدًا أن عمليات البيع والتهريب المتزايدة آنذاك سهلت تداول مواد خطرة خارج القنوات المشروعة، ما خلق مخاطر أمنية وصحية طويلة الأمد. 

وتطرق ملحم إلى مسألة المواد النووية قائلًا إنه لا يُرجح أن تستخدم كميات صغيرة مثل كيلوين من اليورانيوم مباشرة في مفاعلات نووية تجارية أو في تصنيع أسلحة نووية.

عمليات نقل اليورانيوم 

وأوضح أن اليورانيوم عالي التخصيب ينبعث منه إشعاع كثيف، ويتطلب تغليفًا محكمًا داخل حاويات رصاصية سميكة وأنظمة لوجستية معقدة للنقل، مشيرًا إلى أن هذه العملية تحتاج معدات رفع ثقيلة وإجراءات حماية متقدمة تجعل تهريبه عبر مسارات حدودية متعددة أمرًا صعبًا للغاية. 

وكشف ملحم أن نوعية اليورانيوم الذي كان يُراد تهريبه تبدو مخصصة لأغراض "طبية أو بحثية"، وأن هذه الأنواع عادة لا تكون عالية التخصيب بمستوى المواد القابلة للاستخدام العسكري. 

وتابع أن "المواد المشعة تُنقل عادة داخل براميل وحاويات مصممة للحماية".

وشدد ملحم على أن التعامل مع أي مادة ذات نشاط إشعاعي عالٍ يتطلب بروتوكولات صارمة، ووسائل نقل خاصة لضمان سلامة الناقلين والمحيطين بهم.

من جانبه، أكد مدير وحدة الدراسات الروسية في مركز الدراسات العربية الأوراسية، ديميتري بريجع، أن هذه الحادثة ليست مجرد واقعة جنائية، بل مؤشر على أن إرث الاتحاد السوفيتي لم يُغلق بعد، وأن ظلاله ما زالت تمتد على الأمن العالمي حتى اليوم.

وأضاف بريجع، في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991 خلّف آلاف الأطنان من المواد النووية المنتشرة في جمهوريات متعددة، بعضها فقير أو غير مستقر سياسيًا أو محدود الإمكانيات في الرقابة، ومع مرور الزمن تراجع الدعم الدولي المخصص لتأمين هذه المواد، فانخفضت المراقبة وضعفت القدرة على تتبعها.

أخبار ذات علاقة

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين

ردا على العقوبات.. هل تلعب روسيا ورقة "اليورانيوم"؟

منظومة الرقابة النووية

وأوضح بريجع أن ما حدث في تبليسي يؤكد وجود ثغرات حقيقية في منظومة الرقابة النووية، وأن هذه المواد لا تزال تمثل خطرًا قابلًا للاستغلال من قبل أطراف مختلفة، سواء كانت دولًا أم شبكات تهريب غير مشروعة. 

وأضاف أن جورجيا تقع في منطقة حساسة بين روسيا وتركيا والشرق الأوسط، وقد شكلت في السابق ممرًا لعمليات تهريب متعددة، وأن توقيف العملية في أراضيها يؤكد أن القوقاز ما زال منطقة رخوة في منظومة الأمن النووي الدولي.

وشدد بريجع على أن الحاجة ملحّة لتحديث آليات المراقبة عبر الحدود، وتعزيز التعاون الاستخباراتي بين الدول المعنية. 

ولفت إلى أن اللافت في القضية أن «المتورطين صينيون» وأن عملية النقل كانت ستتم عبر الأراضي الروسية، ما يثير تساؤلات حول طبيعة الطلب العالمي على المواد النووية واحتمال وجود شبكات تجارة سوداء تتجاوز الحدود الرسمية.

وأوضح أن ضعف الرقابة في جمهوريات ما بعد السوفيت يمكن أن يتحول إلى "ثغرة خطيرة" تستخدمها جهات تسعى للحصول على مواد حساسة لأغراض علمية أو عسكرية أو مالية.

وأكد بريجع أن الحديث عن اليورانيوم ليس مسألة رمزية، لأن كميات صغيرة منه يمكن أن تُستخدم في تصنيع "قنابل قذرة"، أو في تجارب بحثية ذات استخدام مزدوج.

وقال إن خطورة الحادثة تكمن في أنها تذكر العالم بأن الأمن النووي لا يقتصر على الأسلحة الاستراتيجية وحدها، بل يشمل كل غرام من المواد القابلة للاستخدام أو التحويل.

تأمين المخزون النووي

وأشار إلى أن روسيا والولايات المتحدة بذلتا جهودًا كبيرة بعد التسعينيات لتأمين المخزون النووي من خلال برامج مثل "نان - لوجار"، إلا أن مرور الزمن وتبدل الأولويات وتراجع التمويل جعل العديد من المواقع والمنشآت عرضة للإهمال.

وأضاف بريجع أن التعاون الدولي حد من المخاطر الكبرى، لكن ما جرى في جورجيا يثبت أن "الخطر لم يختفِ، بل تغير شكله، وانتقل إلى الظل".  

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC