بينما تنزلق فرنسا إلى حالة من عدم اليقين السياسي، يحذّر تقرير بريطاني من تراكم التحديات السياسية والاقتصادية في المملكة المتحدة، مما يجعل لندن تواجه المجهول الباريسي.
ووفق تقرير لصحيفة "التايمز" البريطانية فإن المملكة المتحدة وفرنسا، تشتركان في تصاعد الأزمات المالية والسياسية التي تهدد بزعزعة استقرار النظام الحاكم، مع تزايد نفوذ الأحزاب الشعبوية، وتراجع ثقة الشعوب في الأحزاب التقليدية.
ورغم تمتع حكومة كير ستارمر الحزبية بأغلبية ساحقة، إلا أنها تعاني من تراجع شعبي مذهل بعد 14 شهراً فقط من توليها السلطة، فقد أصبحت الحكومة أقل شعبية من نظيرتها الألمانية، مع سيطرة مالية هشة تشبه تلك التي في فرنسا.
والتعديلات الوزارية الأخيرة، التي شهدت انتقال معظم الوزراء المختصين إلى مناصب أخرى، عكست غياب رؤية وطنية واضحة، هذا الاضطراب يعكس عدم القدرة على اتخاذ قرارات طويلة الأجل أو تنفيذ إصلاحات جذرية، وهي مشكلة تتشاركها مع فرنسا، بحسب الصحيفة البريطانية.
على الصعيد الاقتصادي، تواجه بريطانيا تحديات كبيرة تتمثل في عجز الميزانية والدين الوطني، إذ فشلت الحكومة في تقديم رؤية اقتصادية واضحة لتحفيز النمو، بينما تواجه ضغوطاً شعبية متزايدة بسبب قضايا مثل الهجرة غير الشرعية، وتكاليف الرعاية الاجتماعية، وارتفاع الضرائب التي تثني المستثمرين.
كما تعكس هذه التحديات حالة من الشلل السياسي، حيث تتردد الحكومة في اتخاذ تدابير جذرية خوفاً من ردود فعل المصالح الراسخة داخل حزبها والمجتمع.
تشير صحيفة "التايمز" إلى التشابهات بين لندن وباريس، فقد سقط رئيس الوزراء الرابع خلال عامين، فرانسوا بايرو، بسبب محاولته ضبط الميزانية غير المستدامة، ليواجه معارضة شديدة من النقابات العمالية والأحزاب السياسية.
وتواجه فرنسا أزمة مالية حادة، مع عجز في الميزانية ودين وطني يفوق نظيره في بريطانيا، إذ إن الأحزاب المعتدلة، بقيادة الرئيس إيمانويل ماكرون، تفقد قوتها أمام اليمين واليسار المتشددين، مما يهدد بانهيار النظام السياسي التقليدي.
ويعكس هذا الوضع حالة من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، حيث يدرك القادة ضرورة الإصلاحات لكنهم يعجزون عن تنفيذها بسبب الانقسامات الداخلية.
وتتعدد التشابهات بين بريطانيا وفرنسا رغم الاختلافات في الأنظمة السياسية، وتشترك بريطانيا وفرنسا في تحديات جوهرية.
كما يعاني كلا البلدين من تراجع شعبية الأحزاب الحاكمة التقليدية، وصعود قوى شعبوية مثل حزب الإصلاح في بريطانيا، الذي جذب ربع مليون عضو، والأحزاب المتطرفة في فرنسا، إذ تستغل هذه الأحزاب إحباط الشعوب من فشل الحكومات في معالجة قضايا مثل الهجرة، والاقتصاد، والرعاية الاجتماعية.
وفي البلدين أيضاً يبدو أن القادة يدركون الحاجة إلى إصلاحات جذرية، لكنهم يواجهون مقاومة داخلية تحول دون تحقيقها، ففي بريطانيا، يملك ستارمر فرصة ضئيلة لتجنب مصير فرنسا، خاصة مع تعيين وزراء جدد مثل شبانة محمود ودارين جونز، الذين يظهرون وعيًا بضرورة التغيير.
أما في فرنسا، فالنظام السياسي يرُجح أن يتجه نحو انهيار مشابه لما حدث قبل الثورة، بسبب عجز القادة عن مواجهة المصالح الراسخة، إلا أن "التايمز" ترى أن في بريطانيا لا تزال هناك فرصة لتجنب هذا المصير، لكن ذلك يتطلب إصلاحات جذرية في الهجرة، والاقتصاد، والرعاية الاجتماعية.
وإذا فشل ستارمر في دعم وزرائه وتبني سياسات جريئة، فقد تجد بريطانيا نفسها تسير على خطى فرنسا، مهددة بانهيار سياسي واقتصادي على يد قوى شعبوية متزايدة القوة.