logo
العالم

إيران بين الشرق والغرب.. صراع داخلي يهدد توازن السياسة الخارجية

العلم الإيراني في العاصمة طهرانالمصدر: (أ ف ب)

 أعادت الانتقادات الحادة التي وجّهها رئيس البرلمان الإيراني، محمد باقر قاليباف، للرئيس السابق حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف، الجدل حول توازن الدبلوماسية الإيرانية.

ويرى مراقبون أن تصريحات قاليباف، التي اتهم فيها روحاني وظريف بـ"الإضرار بمسار التعاون الاستراتيجي مع روسيا"، لم تكن مجرد مناوشة سياسية داخلية، بل إشارة موجهة إلى موسكو بأن البرلمان والتيار المحافظ ما زالا متمسكين بالتحالف مع الكرملين، في مقابل أي أصوات إصلاحية تدعو إلى توازن أكبر في العلاقات الخارجية.

في المقابل، جاء رد الإصلاحيين سريعًا، معتبرين أن هذا الخطاب يُعيد البلاد إلى سياسة "الاعتماد الأحادي على الشرق"، التي قد تُكلف إيران مزيدًا من العزلة الاقتصادية والدبلوماسية.

 

أخبار ذات علاقة

الوزير الإيراني الأسبق جواد ظريف

ظريف: الوقت ليس في مصلحة إيران وأمامنا أشهر حاسمة

ظريف إلى الواجهة

وعودة اسم محمد جواد ظريف إلى واجهة الصراع ليست مصادفة، فالرجل لا يزال رمزًا للانفتاح الدبلوماسي ومحاولة إعادة إيران إلى النظام الدولي عبر الاتفاق النووي لعام 2015.

وبالنسبة للمحافظين، يمثل ظريف نموذجًا "للسياسي الذي وثق بالغرب وخُذل"، فيما يعتبره الإصلاحيون "صاحب رؤية واقعية" أدرك مبكرًا حدود المراهنة على الشرق.

تصريحات قاليباف ضد ظريف وروحاني، في هذا السياق، تُفهم كنوع من المراجعة السياسية الموجهة نحو الداخل، لكنها في الوقت نفسه تذكّر الغرب بأن التيار المقرّب من الحرس الثوري لا يزال يملك اليد العليا في رسم سياسة إيران الخارجية.

موسكو تراقب

وبحسب مصادر دبلوماسية إيرانية، فإن روسيا تتابع بقلق هذا السجال الداخلي، لأنها تدرك أن أي تصدع في الإجماع الإيراني حول التعاون الاستراتيجي قد يحدّ من عمق الشراكة القائمة في مجالات الطاقة والتسليح والنقل البري والبحري.

وأضافت المصادر لـ"إرم نيوز" أن "موسكو تخشى أن تؤدي عودة الخطاب الإصلاحي المعتدل إلى فتح قنوات جديدة مع الغرب، خصوصًا إذا حصلت انفراجة وجرى استئناف المفاوضات النووية غير المباشرة في الأشهر المقبلة".

وأوضحت: "نلاحظ أن موسكو تلتزم الصمت العلني، مكتفية بإبراز الجانب التقني والاقتصادي للعلاقات مع طهران، في محاولة لتجنّب التورط في الاستقطاب السياسي الإيراني الداخلي".

ووفق المصادر، فإنه "في المقابل، تنظر الولايات المتحدة وأوروبا إلى الجدل الدائر في طهران كدليل على تآكل التوافق الداخلي حول التحالف الشرقي، وقد يسعى الغرب لاستغلال هذا الانقسام لإحياء فكرة العودة إلى المفاوضات النووية بشروط جديدة، خاصة بعد أن فشلت موسكو في تحقيق مكاسب ملموسة لإيران في الحرب الأخيرة في المنطقة".

ويرى بعض المحللين الغربيين أن الخلاف بين قاليباف وروحاني ليس مجرد "صراع أجيال سياسية"، بل هو تجسيد لصراع هوية داخل النظام الإيراني بين من يرى مستقبل إيران في "محور الشرق" وبين من يطمح إلى إعادة التوازن نحو الغرب لتخفيف العقوبات والضغوط الاقتصادية.

 

 

اللعب في ميدان الغرب

وقال عضو هيئة رئاسة البرلمان علي رضا سليمي إن تصريحات روحاني وظريف تعد "لعبًا في ميدان الغرب"، مؤكّدًا أن مواقفهما "تخدم مصالح أمريكا وإسرائيل".

وأضاف سليمي لـ"إرم نيوز" أن "هذه الشخصيات كانت تمسك بملف السياسة الخارجية سابقًا، لكنها تسببت بخسائر كبيرة للبلاد"، معتبرا أن "الغرب هو المرجعية الفكرية لهؤلاء، ولو كانوا قد زاروا جبهات الحرب لكانوا أكثر وعيًا بمصالح الأمة".

وأوضح أن "الانتقاد الدقيق والحازم الذي وجّهه قاليباف إلى بعض المسؤولين السابقين بشأن المواقف الخائنة في السياسة الخارجية والعلاقات الدولية أمر في غاية الأهمية ومطلوب في هذه المرحلة".

وتابع سليمي أن "هذه الردود تكشف عن حساسية الإصلاحيين تجاه نقد مرحلة روحاني وظريف، رغم أن تلك المواقف كانت مناقضة تمامًا للنهج العام الذي تتبعه وزارة الخارجية في حكومة بزشكيان، التي تحاول الموازنة بين الانفتاح الدبلوماسي والحفاظ على ثوابت السياسة الإقليمية لإيران".

انتقاد أصولي

في المقابل، اعتبر السياسي الأصولي المعتدل حسين كنعاني مقدم أن طريقة هجوم البرلمان على اثنين من زعماء السياسة في البلاد (روحاني وظريف) "غير حكيمة".

وذكر كنعاني لـ"إرم نيوز" أن "الانتقاد غير المدروس في توقيت خاطئ يعطي خصوم البرلمان مزيدًا من الشعبية"، مضيفًا أن "هذه الطريقة تجعل روحاني وظريف يظهران بمظهر المظلومين أمام الرأي العام".

وأشار إلى أن "البرلمان تجاوز مبدأ الفصل بين السلطات حين طالب علنًا بسجن شخصيات سياسية، وهو ما لا ينسجم مع الدستور".

واعتبر أن البلاد تمر بظروف حساسة تتطلب "تعزيز الوحدة الوطنية والانسجام الداخلي بدلاً من تغذية الانقسامات السياسية"، مشيرًا إلى أن "الخلافات العلنية بين التيارات المختلفة تُضعف الجبهة الداخلية وتمنح الأعداء فرصة لاستغلال الانقسامات".

 

 

علاقات غامضة

من جانبه، قال المحلل السياسي الإصلاحي علي أهنغر إن "العلاقات بين إيران وروسيا تتسم بالغموض والتقلب، إذ يجمعهما حاليًا مصالح استراتيجية محددة، أبرزها مواجهة النفوذ الأمريكي وتعزيز القدرة الدفاعية والاقتصادية لكلا البلدين، خصوصًا منذ بداية الحرب الروسية على أوكرانيا".

وأضاف أهنغر لـ"إرم نيوز" أن "رغم تلك العلاقات بين طهران وموسكو، فإن التاريخ الطويل من التنافس والنزاعات الإقليمية يجعل الثقة بين الطرفين محدودة، والعلاقات معقدة بطبيعتها".

واعتبر أن "إيران تمثل لروسيا جسراً جغرافيًا واستراتيجيًا يربط آسيا الوسطى بالقوقاز والشرق الأوسط، ما يعزز طموحات موسكو في مشروع 'أوراسيا الكبرى' ومواجهة العقوبات الغربية. مع ذلك، الفجوة في المصالح والقدرة على دعم إيران عسكريًا وتقنيًا تجعل العلاقة غير متوازنة أحيانًا، كما أن العلاقات الروسية مع إسرائيل تُظهر قدرة موسكو على الموازنة بين مصالح متعددة دون الالتزام الكامل بإيران".

وأوضح: "ولذا، فالعلاقة بين إيران وروسيا قائمة على توازن دقيق بين التعاون الاستراتيجي والمصالح المتبادلة، لكنها تبقى مرشحة للتغير بحسب التطورات الإقليمية والدولية، مع الإشارة إلى أن الغموض جزء من طبيعة السياسة الروسية القائمة على المرونة والتحكم في التحالفات".

 

أخبار ذات علاقة

جيد تخت ‌روانجي، معاون وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية

مسؤول إيراني يكشف كواليس المفاوضات النووية الأخيرة قبل الحرب

ورأى أهنغر أن "الغموض تزايد في العلاقات بين روسيا وإيران بعد سقوط بشار الأسد وصعود أحمد الشرع في سوريا، الذي كانت قواته متورطة في النزاع مع كل من روسيا وإيران خلال الحرب الطويلة. التعاون الذي كان يوحّد البلدين سابقًا في دعم الأسد لم يعد كما كان".

وبشأن موقفه من تصريحات ظريف ضد روسيا، قال علي أهنغر إن "النقد الذي يقدمه الدبلوماسيون السابقون، مثل تصريحات محمد جواد ظريف الأخيرة تجاه وزير الخارجية الروسي، لا يضعف العلاقات الرسمية بين الدول، لأنه يُعد رأيًا شخصيًا وليس موقف الحكومة الرسمي، وهذه الانتقادات تعمل كآلية تصحيحية وحماية للنظام الرسمي، وتكشف عن نقاط ضعف أو تبعات غير محسوبة في السياسة".

واعتبر أن "غموض العلاقة مع روسيا لا يعني الارتماء بأحضان الدول الغربية التي لم تلتزم حتى بالاتفاق النووي المبرم عام 2015"، مبينًا أن "طهران تحتاج لعلاقة متوازنة بين روسيا والغرب وفق مصالحها الوطنية".

وتابع أن "الاعتماد على روسيا في السياسة الخارجية قد يكلف إيران كثيرا من الخسائر والعزلة الدولية، لذا نحن بحاجة إلى علاقات متوازنة مع روسيا والصين والغرب وحتى الولايات المتحدة بما يحقق مصالحنا".

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC