ترامب يعلن أنه سيوجّه "خطابا إلى الأمة" الأربعاء

logo
العالم

الشتاء يعود للجبهة.. روسيا تستعد لشل قطاع الطاقة الأوكراني بطوفان المسيّرات

نيران مشتعلة بمنشأة طاقة أوكرانية إثر قصف روسيالمصدر: فرانس 24

غرقت مناطق واسعة من أوكرانيا في الظلام الدامس، مؤخرًا، بفعل الاستهدافات الروسية العنيفة لقطاع الطاقة.

واستهدفت الآليات العسكرية والمسيّرات الروسية منشآت النفط والغاز في أقاليم "خيرسون" و"خيركيف"، وأخرجت العديد منها عن الخدمة.

وفيما تؤكد مصادر أوكرانية أنّ الخسائر المباشرة وغير المباشرة من استهداف قطاع الطاقة، تجاوزت 56 مليار دولار، تؤكد المؤشرات أنّ الشتاء المقبل قد يكون غير مسبوق من حيث البرودة، واستثنائيًا من حيث اشتداد الضربات الروسية التي تبتغي إحداث شلل في قطاع الطاقة. 

أخبار ذات علاقة

قصف روسي على أوكرانيا

زيلينسكي: روسيا هاجمت قطاع الطاقة بـ450 مسيرة و30 صاروخا (فيديو)

طوفان من المسيّرات القتالية

وأطلقت روسيا، منذ الصيف الماضي، ما يُسميه الخبراء بـ"حرب الطاقة"، حيث جنّدتْ المئات من الطائرات القتالية المسيّرة المتطورة بغرض استنزاف مقومات الطاقة في أوكرانيا، متسببة في قطع إمدادات الغاز، وانقطاع التيار الكهربائي عن آلاف المواطنين الأوكرانيين، ونزوح عشرات الآلاف منهم إلى مناطق أكثر أمنًا. 

وفي تصريح لها، قالت وزيرة الطاقة الأوكرانية، سفيتلانا هرينتشوك، إنّ الحكومة تخطط لزيادة واردات الغاز بنسبة 30% لتعويض النقص الفادح بسبب الضربات الروسية، مشيرة إلى أنّ إمدادات الطاقة صارت جدًا محدودة، ومقتصرة على 7 مناطق تقع معظمها شرقي البلاد. 

وأضافت أنّ عددًا كبيرًا من منشآت الطاقة الحيوية تعرضت لأضرار كبيرة ومتوسطة، ما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي في عدّة أقاليم من البلاد، على غرار "دنيبروبتروفسك" و"خيركيف" و"خيرسون". 

8 جبهات مشتعلة و4 آلاف صاروخ ومسيّرة أسبوعيًا 

في الأثناء، يؤكد الخبراء العسكريون أنّ روسيا صعّدت من وتيرة استهدافها العسكري لمقوّمات الطاقة الأوكرانية، سواء تعلق الأمر بالمنشآت أو بإمدادات الغاز أو بالبنية التحتية الكهربائية، مشيرين إلى أنّ التصعيد الروسي الأخير يشمل 8 جبهات في توقيت واحد. 

وبحسب ذات الأطراف، فإنّ ما أسموها بـ"هجمات الطاقة" تتم بمئات الصواريخ والمسيّرات، بمعدل 4 آلاف صاروخ وطائرة مقاتلة بلا طيار في الأسبوع الواحد فقط، أي بمعدل أكثر من 570 صاروخًا ومقاتلة انقضاضية في اليوم. 

ويعني هذا التصعيدُ تطورًا ملحوظًا كميًّا وكيفيًّا لدى الروس في مستوى وطبيعة الصناعات العسكريّة، بالإضافة إلى الاكتفاء الذاتي الروسي ماليًا وتقنيًا وبشريًا، لتأمين المنظومة التصنيعية خلال فترة الحرب. 

ووفق ذات المتابعين للشأن العسكري، فإنّ روسيا تمكنت أيضًا من تطوير المقاتلات الانقضاضية بلا طيار مع تحسين سرعتها فرط الصوتية، بشكل جعلها تتفادى الرادارات المنصوبة لها، وتراوغ منظومات الدفاع الصاروخي المنتصبة في أوكرانيا، وفي الدول المجاورة لها من المتعاونة معها، أو الحليفة لها ضمن "الأطلسي". 

القادم أقسى

ويؤكد الخبراء أنّ الوضع سيكون أكثر تأزمًا بالنسبة للطرف الأوكراني خلال فصل الشتاء، لعدّة اعتبارات من بينها الأحوال الجوية السيئة التي تجعل من رصد الطائرات المقاتلة أمرًا صعبًا جدًا، ومن بينها أيضًا شدة وطأة البرد القارس على المواطنين الذين سيكابدون مطرقة الضربات الصاروخية والجوية الدقيقة، ومن سندان قلة أو انعدام الخدمات الطاقية في البلاد. 

واستشرف وزير الداخلية الأوكراني، إيهور كليمينكو، هذا الوضع بالقول إن 20 منشأة طاقة، بما في ذلك محطات كهرباء فرعية، ومصافي نفط، ومحطات طاقة حرارية، تضررت بشكل واضح خلال الفترة الأخيرة (أي شهري سبتمبر والنصف الأول من أكتوبر). 

ووفق التقديرات الأوكرانية، فإن الهجمات الروسية كلفت مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، ما أجبر كييف على السعي إلى الحصول على تمويل من شركائها الأوروبيين لشراء واستيراد إمدادات الغاز. 

وتقدم الدراسات والأبحاث الأوكرانية غير الرسمية صورة كارثية عن واقع مجال الطاقة في البلاد، حيث تشير إلى أن قيمة الأضرار التي لحقت بالقطاع تجاوزت بمستويات كثيرة 56 مليار دولار، وأن إعادة إعمار المجال الطاقي يتطلب في حدّه الأدنى 50.5 مليار دولار. 

ولئن تذرعت موسكو بأن استهدافها للمجال الطاقي في أوكرانيا يقتصر على المقومات والمقدرات التي تستخدم في المجالات العسكرية، وبالتالي فهي جزء من المنظومة العسكرية المُحاربة، إلا أن الضربات تُقرأ أيضًا ضمن مصفوفة من الأسباب والخلفيات التي لابد أن تُؤخذ بعين الاعتبار عند التمعن والاستقراء.

غايات روسية 

وتبتغي موسكو من وراء هذا التصعيد، إثارة الغضب الشعبي من كييف، وخلق أزمة اجتماعية واقتصادية مركبة، تشتت انتباه حكومة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وتجعلها مبعثرة ما بين الملفات الداخلية والخارجية، ما يضعف أداءها الحربي، ويقلص ثقتها لدى الرأي العام المحلي، ويقوض شرعيتها أوروبيًا. 

ووفق خبراء عسكريين، يمكن أيضًا قراءة هذا التصعيد العسكري الطاقي في المناطق الغربية الأوكرانية، ضمن المخططات الروسية لقضم الجزء الغربي من البلاد، وهو الجزء الذي يتكلم اللغة الروسية، ويتقاطع مع الثقافة الروسية في الكثير من ملامح الثقافة والتاريخ والهوية، الأمر الذي يجعل من عملية الضمّ، أمرًا غير مستعصٍ في ظلّ المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، وفي ظل أزمة الثقة المركبة بين كييف وشرائح عديدة من المجتمع الأوكراني في الأقاليم الغربية، الذين يتهمونها بالعجز عن تأمين حمايتهم ضمن الحدّ الأدنى من مقومات الصمود.  

كما تتنزل هذه العمليات العسكرية الروسية في إطار استراتيجية استنزاف الميزانية الأوكرانية والأوروبية على حدّ سواء، فأوكرانيا العاجزة عن تأمين إمدادات الغاز والكهرباء، ستضطر إلى طلب المساعدة من أوروبا، سواء من خلال الاقتراض أو عبر الهبات.

ولن تجد أوروبا، المتأزمة حاليًا، والتي تعيش على وقع معضلات مالية واجتماعية كبيرة، مخرجًا غير الاستنجاد بالولايات المتحدة الامريكية. 

ويشير الخبراء إلى أنّ الولايات المتحدة تستغل الوضع الأوكراني على أكمل وجه من البراغماتية المصلحية، فهي من جهة تزوّد الاتحاد الأوروبي بغاز قيمته الشرائية أغلى من قيمة الغاز الروسي بـ 4 أضعاف كاملة، ومن جهة ثانية تضعف الاتحاد الأوروبي وتقوض اقتصاده، سواء من خلال هذه الشراءات الباهظة، أو من خلال الرسوم الجمركية، ومن جهة ثالثة تزوّد أوكرانيا بالسلاح الذي تشتريه أوروبا بأثمان خيالية من أموال دافعي الضرائب، ومن جهة رابعة تبرم مع أوكرانيا اتفاقيات ثنائية لاستغلال قطاع المعادن الثمينة والنادرة. 

وتُدرك موسكو أن هذه المعادلة "الضيزى" لا ترضي الكثير من العواصم الأوروبية، والكثير من البرلمانيين والنقابيين، وشرائح عظمى من الشعوب الأوروبية، التي تقف أمام الحقيقة المرة كلّ فصل شتاء.. برودة قاتلة وطاقة قليلة وديون متفاقمة وصراع مستمر ومستفيد أمريكي.

كما تعرف أنّ صدى الصواريخ المستهدفة للطاقة، سيسمع أزيزه لدى الساسة الكبار، ولدى الفاعلين والمسؤولين في بروكسل، وبهذا فهي تزيد من حدّة الهوة القائمة بين الأطراف الأوروبية، أو على الأقل تجعل من الاستمرار في الدعم غير المشروط لأوكرانيا عنوانًا سياسيًا محل تساؤل واستفسار وتنسيب. 

أخبار ذات علاقة

خزان وقود يحترق في مستودع نفط في فورونيج، روسيا، في 24 يونيو 2023.

هاجمت قلب روسيا.. أوكرانيا تحوّل المصافي إلى جبهة حرب جديدة

موسكو متضررة أيضًا 

في المقابل، يصعب التسليم بأنّ روسيا لا تتضرر من حرب الطاقة المشتعلة منها وعليها، فالأرقام الواردة من مصادر أوروبية، وحتى روسية، تشير إلى خسائر وازنة. 

حيث تؤكد أوكرانيا أنّ ضرباتها استهدفت مصافي النفط الروسية في جنوب غرب ووسط روسيا، وأنّها خسرت 20% من طاقة التكرير. 

واستهدفت هجمات أوكرانيا منشآت نفطية رئيسة، مثل: مصفاة "ساراتوف" وموانئ "أوست-لوغا" و"بريمورسك"، مما أدى إلى اضطرابات كبيرة في الإنتاج والتصدير.

ووفقًا لمصادر صناعية، حذّرت شركة "ترانس نفط"، التي تسيطر على نقل أكثر من 80% من النفط الروسي، المنتجين من احتمال خفض الإنتاج بسبب القيود على تخزين النفط في خطوط الأنابيب، كما أشارت إلى أن استمرار الأضرار قد يجبرها على تقليص قبول النفط الخام، مما يهدد استقرار الإمدادات.

وتعتمد موسكو، بشكل كبير، على إيرادات النفط لتمويل حربها في أوكرانيا. 

وإزاء هذا المشهد، من الواضح أنّ الطرفين الروسي والأوكراني منخرطان بشكل كبير في حرب الطاقة، وأنّ الطرفين أيضًا يعولان على الشتاء لزيادة حدّة الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، وأنّ الطرفين في حالة "مكاسرة طاقية"، وعضٍّ رهيب على الأصابع، وأنّ المنتصر – إن كان هناك من منتصر حقيقي في هذا النزاع – هو الذي يحبس نفسه عن إطلاق صيحة الألم قبل عدوّه. 

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC