قررت تركيا تكليف وفد برلماني بمقابلة زعيم حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، في سجنه، في خطوة علنية غير مسبوقة في تاريخ الصراع مع الأكراد الممتد على مدى نصف قرن تقريباً، بهدف دفع عملية السلام البطيئة بين الطرفين.
وتسبب القرار الذي اتخذته لجنة برلمانية تشرف على عملية السلام، بانقسام سياسي كبير، عندما رفض أكبر أحزاب المعارضة التركية المشاركة في الوفد، بينما أيد القرار حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي ظل متردداً بشأن الخطوة في الأسابيع الماضية.
وعقدت لجنة السلام التي تضم ممثلين عن الأحزاب التركية، اجتماعها في البرلمان، بعد ظهر يوم أمس الجمعة، قبل أن تحول جلستها المفتوحة إلى مغلقة، وتطرح للتصويت قرار إرسال وفد يمثلها إلى السجن الذي يقبع فيه أوجلان منذ 26 عاماً، والذي انخرط منه في عملية السلام الجارية.
وصوّت 32 عضواً من أعضاء اللجنة، المؤلفة من 51 نائباً يمثلون 11 حزباً في البرلمان، بالموافقة، بينما صوّت 3 نواب بالرفض، وامتنع 2 عن التصويت، فيما قاطع حزب الشعب الجمهوري التصويت، ولديه 11 نائباً في اللجنة.
وقادت موافقة حزب العدالة والتنمية الحاكم، وحليفه حزب الحركة القومية، وحزب الديمقراطية والمساواة للشعوب، أكبر الأحزاب الممثلة للأكراد في البرلمان، تمرير قرار زيارة لجنة السلام لأوجلان.
وأكد حزب الشعب الجمهوري بقاءه في لجنة السلام البرلمانية، على الرغم من اعتراضه على زيارة وفد من اللجنة للقاء أوجلان، بعد أن رُفض طلبه بأن يكون اللقاء عبر اتصال مرئي بدلاً من اللقاء المباشر.
وقال نائب رئيس الكتلة البرلمانية لحزب الشعب الجمهوري، مراد أمير، إن حزبه لن يرسل ممثلين عنه، ضمن وفد اللجنة البرلمانية للقاء أوجلان.
وأضاف: "ندعم اليوم تماماً أي خطوات صادقة من أجل السلام. سنبقى في اللجنة انطلاقاً من مسؤوليتنا تجاه شعبنا".
وتخشى القوى السياسية التركية أن يرتد أي فشل محتمل في عملية السلام الجارية، على قاعدتها الجماهيرية، مع وجود كثير من المعارضين للقاء أوجلان بعد سنوات من الصراع المسلح الذي خلف آلاف الضحايا بين الطرفين.
قالت مصادر برلمانية مطلعة إن اللقاء المرتقب بين وفد البرلمان التركي وأوجلان، يستهدف تعزيز الثقة بين طرفي العملية، متوقعةً أن يرد حزب العمال الكردستاني عبر إعلان انسحاب عسكري جديد من المنطقة الحدودية الجنوبية لتركيا.
وأضافت المصادر لـ "إرم نيوز" أن اللقاء سيناقش قضايا أمنية وعسكرية وسياسية حساسة، بعد أن اطلع أعضاء لجنة السلام، الأسبوع الماضي، على تقييم من وزيري الدفاع والداخلية ورئيس المخابرات، حول الخطوات التي اتخذها حزب العمال في الفترة الماضية وما إذا كانت كافية للانتقال لمرحلة أخرى من عملية السلام.
وقال حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب، عقب إعلان موافقة لجنة السلام على إرسال وفد يمثلها للقاء أوجلان: "لدينا ثقة تامة بأن المحادثات مع أوجلان ستلعب دورا حاسما في تقدم العملية بشكل سليم وآمن".
وأضاف الحزب، الذي لعب دور الوسيط بين أوجلان وأنقرة في الفترة الماضية، في بيان، "نأمل أن تُسهم هذه الزيارة في بناء مستقبل مشترك لـ 86 مليون نسمة، ووحدتنا الديمقراطية والحرية، ومواطنتنا المتساوية، وسلامنا الدائم".
واختتم الحزب بيانه بالقول: "إن بناء السلام واجبنا ومسؤوليتنا المشتركة. ورغم اختلاف آرائنا السياسية، ندعو كل من له رأي في مستقبل هذا البلد إلى التكاتف على أرضية مشتركة من الحل والسلام، من أجل مستقبلنا المشترك وبناء سلام دائم".
من المقرر أن تبلغ الأحزاب الموافقة رئاسة البرلمان، اليوم السبت، بأسماء ممثليها الذين سيتوجهون إلى جزيرة "إمرالي" حيث يقبع أوجلان في سجن شديد الحراسة منذ العام 1999، قبل تحديد يوم الزيارة المرتقب في الأيام القادمة.
وقاد حزب الحركة القومية، الأسبوع الماضي، جهوداً لتجاوز عقبة لقاء أوجلان التي يطالب بها حزب العمال الكردستاني وحزب الديمقراطية والمساواة للشعوب، وأعلن زعيمه دولت بهتشلي أنه سيتوجه مع نواب من حزبه للقاء أوجلان إذا ظل الخلاف والتردد مسيطراً على باقي الأحزاب.
وكان نائب رئيس الحزب، فتي يلدز، أعلن قبيل انعقاد اجتماع لجنة السلام البرلمانية للتصويت، عن أنه سيمثل حزبه في الوفد الذي سيقابل أوجلان.
وتشكلت لجنة السلام البرلمانية في أغسطس/آب الماضي، ومنذ ذلك الحين عقدت 18 اجتماعاً مع ممثلين عن عائلات ضحايا الصراع ومحاربين قدماء بينهم ضباط وجنود، وجمعيات مدنية ومحامون وخبراء في حل النزاعات.
ومن المقرر أن تعد اللجنة في نهاية عملها، إطاراً قانونياً يحدد مصير قادة حزب العمال الكردستاني ومقاتليه ومن منهم يستطيع العودة لتركيا والانخراط في الحياة السياسية والاجتماعية، بالتزامن مع مواصلة الحزب خطوات إلقاء السلاح والانسحاب من نقاطه وقواعده في تركيا والمنطقة الحدودية مع العراق.