عزّزت الصين تموقعها العسكري في أفريقيا بناء على أبرز المعطيات بشأن واردات الأسلحة في غرب القارة، حيث تستحوذ هذه المنطقة حاليا على 26% من إجمالي الواردات، في وقت يقلق تحركها البنتاغون.
وأصبحت اليوم أكثر من ربع واردات الأسلحة إلى غرب أفريقيا بين عامي 2020 و 2024 مصدرها الصين؛ إذ سُجّلت أعلى الزيادات في بوركينا فاسو، وساحل العاج، ومالي، وموريتانيا، والنيجر، والسنغال، بينما يعود هذا الغزو الصيني لمختلف الترسانات والتكنولوجيا العسكرية بشكل كبير إلى الارتفاع الهائل في الطلب في المنطقة؛ ما حوّل بلدان واسعة من القارة السمراء لأماكن اختبار لأسلحتها.
ويشير المحلل السياسي النيجري، أمادو كوديو، إلى جمع الوجود الصيني في القارة السمراء حالياً بين التعاون الأمني وتجارة الأسلحة واستعراض القدرات العسكرية والمناورات المشتركة؛ ما يتيح لها عبر هذا النهج المتكامل بناء علاقات وثيقة مع القوات المسلحة الأفريقية، ودعم مصالحها الاقتصادية في القارة في الوقت نفسه.
وحسب الباحث في تصريح لـ"إرم نيوز"، فإن الولايات المتحدة أصبحت بالنسبة لها هذه الاستراتيجية تثير تحديا كبيراً لتحركها الرامي إلى الحفاظ على نفوذها التقليدي في أفريقيا، و معروف عن واشنطن إقامة شراكات عسكرية والتي تعد إحدى أدواتها الرئيسة في العمل الدبلوماسي.
وبجانب روسيا، اتخذت الصين بقيادة شي جين بينغ موقفاً متقدما لتلبية الزيادة غير المسبوقة في الطلب على أسلحتها، كما يوضح معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام في أحدث تقرير له، خاصة على مدى العقدين الماضيين، أين أصبحت بكين المورد الرئيس للأسلحة والمعدات العسكرية لهذه المنطقة.
وفي وقت حافظت فيه الولايات المتحدة تاريخياً على شراكات أمنية طويلة الأمد مع العديد من الدول الأفريقية، تُكثّف الصين مبادراتها للحاق بالركب وتأكيد وجودها في قارة تعتبرها استراتيجية لمصالحها الاقتصادية والجيوسياسية.
وتعكس مخاوف واشنطن من تمدّد بكين، ما تضمنه تقرير "البنتاغون" السنوي حول القدرات العسكرية الصينية، الصادر قبل أيام، أين سلط الضوء على التوسع السريع لطموحات الصين العسكرية في أفريقيا، لا سيما على طول الطرق البحرية الحيوية للتجارة الدولية. ووفقا لمحللين أمريكيين، تسعى الصين جاهدةً لاستكشاف فرص الوصول العسكري إلى عدة دول في القارة، مع التركيز بشكل خاص على خليج غينيا، الذي يُعد منطقة بحرية بالغة الأهمية لعبور النفط والتجارة.
ويتمثل التطور الأبرز في الزيادة الكبيرة في نطاق المناورات العسكرية الصينية الأفريقية. وتُعدّ عملية "سلام الوحدة" التي نُفّذت في تنزانيا خلال أغسطس/آب 2024، مثالاً واضحاً على هذا التصعيد. وقد صنّفت أجهزة الاستخبارات الأمريكية هذه المناورات بأنها الأكبر على الإطلاق التي نظّمها الجيش الصيني على الأراضي الأفريقية؛ ما يُمثّل قفزة نوعية في الانخراط العسكري الصيني.
ولا تقتصر هذه التدريبات على تعزيز التوافق العملياتي بين القوات الصينية وشركائها الأفارقة فحسب، بل تُعدّ أيضاً منصةً تجاريةً لعرض صناعة الدفاع الصينية، التي تُطوّر وتُصدّر منتجاتها على نطاق واسع إلى أفريقيا.
وتشمل هذه المنتجات المركبات المدرعة، والمدفعية الحديثة، وتقنيات الطائرات المسيّرة المتطورة، وتقنيات مكافحة الطائرات المسيّرة، وهي قطاعات تسعى الصين من خلالها إلى منافسة الموردين الغربيين التقليديين بشكل مباشر.
كما أن أكثر ما يُثير قلق واشنطن هو خطط إنشاء قواعد عسكرية دائمة، حيث يكشف تقرير وزارة الدفاع الأمريكية أن السلطات الغابونية ناقشت مع نظيرتها الصينية إمكانية إنشاء قاعدة عسكرية في الغابون. وهذا الاحتمال يُثير ارتباك الاستراتيجيين الأمريكيين؛ إذ قد يُوفر لبكين موطئ قدم دائما في منطقة بحرية بالغة الأهمية.