رجح الدبلوماسي الأوكراني السابق فولوديمير شوماكوف، فرضية "تجميد الصراع"، بين روسيا وأوكرانيا، في ظل المعطيات على الأرض، دون التوصل إلى تسوية شاملة بين الطرفين خلال العام 2026.
وأشار شوماكوف إلى أن رفض موسكو هدنة عيد الميلاد يؤكد تمسكها بخيار الحرب، في وقت تثير فيه تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مخاوف أوكرانية من صفقة سريعة قد تُجمّد الصراع دون ضمانات حقيقية، في حين تراهن كييف على صمود طويل الأمد.
وأكد شوماكوف في حوار مع "إرم نيوز" أن التصعيد الروسي ضد البنية التحتية يعكس فشلًا وعجزًا إستراتيجيًّا عن تحقيق حسم ميداني، وأن التقدم الروسي المحدود خلال ديسمبر لا يُعد مكسبًا عسكريًّا حقيقيًّا، بل يُستخدم كأداة ضغط نفسي وإعلامي بكلفة بشرية مرتفعة.
وفيما يأتي نص الحوار:
نعم، نحن أمام تغيير واضح في طريقة إدارة الحرب الروسية، لكنه لا يعكس تفوقًا بقدر ما يكشف عن مأزق إستراتيجي، خاصة أن موسكو دخلت الحرب وهي تراهن على حسم سريع، غير أن فشلها في تحقيق اختراقات برية مستقرة دفعها إلى توسيع دائرة الاستهداف لتشمل البنية التحتية المدنية.
وإن ضرب منشآت الطاقة والمياه والنقل يهدف إلى إنهاك الدولة والمجتمع الأوكرانيين نفسيًّا واقتصاديًّا، في محاولة لرفع كلفة الصمود، وليس لتحقيق نصر عسكري مباشر أو حاسم.
التقدم الروسي الذي سُجّل في شهر ديسمبر لا يمكن اعتباره مكسبًا عسكريًّا حقيقيًّا بالمعايير الإستراتيجية، إذ إن ما تحقق يظل تقدمًا تكتيكيًّا محدودًا في محاور ثانوية، دون أن يغيّر موازين القوى أو يحقق سيطرة مستقرة على مناطق حيوية.
كما أن هذا التقدم لم يؤدِّ إلى انهيار دفاعي أوكراني أو قطع خطوط إمداد رئيسية، في حين جاءت كلفته البشرية والمادية مرتفعة جدًّا. لذلك يُستخدم أساسًا كأداة ضغط نفسي وإعلامي أكثر منه إنجازًا ميدانيًّا حاسمًا.
رفض موسكو لهدنة عيد الميلاد يحمل دلالات سياسية وعسكرية واضحة. فمن الناحية السياسية، يعكس عدم وجود نية حقيقية للتهدئة، وأن خطاب الاستعداد للحوار يُستخدم تكتيكيًّا لتخفيف الضغوط الدولية.
ومن الناحية العسكرية، يكشف خشية روسية من أن تمنح الهدنة أوكرانيا فرصة لإعادة تنظيم قواتها أو تعزيز دفاعاتها. ولو كانت موسكو جادة في السلام، لوافقت على هدنة رمزية، لكن الرفض يؤكد أن خيار الحرب لا يزال خيارًا إستراتيجيًّا لديها.
الولايات المتحدة تمتلك بالفعل أدوات ضغط قوية، تشمل العقوبات الاقتصادية، والضغط على قطاع الطاقة، والدعم العسكري غير المباشر لأوكرانيا.
وقد أثبتت هذه الأدوات قدرتها على إضعاف القدرات الروسية تدريجيًّا، لكن الإشكالية الأساسية لا تتعلق بالأدوات نفسها، بل بمدى الاستعداد السياسي لاستخدامها بأقصى فاعلية.
والخطاب الأمريكي، خاصة في ظل توجهات دونالد ترامب، يميل إلى البحث عن تسويات سريعة، بينما تبقى الضمانات غير المقترنة بآليات تنفيذ واضحة محل شك أوكراني واسع.
تصريحات ترامب تثير قلقًا كبيرًا في كييف، لأنها توحي بإمكانية فرض تسوية سريعة قد تمس الثوابت السيادية والدستورية. كما أن التجربة السابقة أظهرت أن وعود إنهاء الحرب سريعًا لم تستند إلى أدوات ضغط حقيقية.
وفي أوكرانيا، يُنظر إلى هذه التصريحات على أنها تمهيد لصفقة قد تُجمّد الصراع أو تُكرّس أمرًا واقعًا في بعض المناطق، دون ضمانات تمنع روسيا من العودة إلى التصعيد لاحقًا.
هذا الخطاب لا يُعد متناقضًا، بل هو جزء من إستراتيجية مزدوجة، إذ يستخدم بوتين لغة السلام خارجيًّا لتخفيف الضغوط وكسب الوقت دبلوماسيًّا، بينما يلوّح بالحرب الطويلة داخليًّا لتهيئة المجتمع الروسي لتحمل الكلفة.
والهدف هو إدارة الصراع لا حسمه، والإبقاء على هامش مناورة سياسي وعسكري واسع، دون الالتزام بمسار سلام حقيقي أو تسوية نهائية في المدى المنظور.
نعم، كييف تراهن بوضوح على إطالة أمد الصمود العسكري، وليس على حسم سريع. والحديث عن جيش كبير يعكس تعبئة شاملة مرتبطة بحرب طويلة.
كما أن الإستراتيجية الأوكرانية تقوم على منع أي اختراق إستراتيجي، واستنزاف روسيا اقتصاديًّا وعسكريًّا إلى أن تصل موسكو إلى مرحلة العجز عن إدارة الحرب. وهذا الخيار مكلف وصعب، لكنه يُنظر إليه في كييف باعتباره الخيار الوحيد في ظل غياب ضمانات أمنية موثوقة.
حتى الآن، لا توجد مؤشرات حقيقية على أن عام 2026 سيكون عام تسوية سياسية شاملة. والأرجح هو الدخول في مفاوضات طويلة أو تجميد مؤقت للصراع، مع استمرار الاستعداد لجولات تصعيد لاحقة.
لذلك فإن قرار إنهاء الحرب لا تملكه أوكرانيا وحدها، بل يتوقف أساسًا على روسيا، وطالما أن موسكو لا تزال قادرة على تمويل الحرب، فإن أي تهدئة محتملة ستظل مؤقتة وليست سلامًا دائمًا.