قال خبراء إن "حرب الجمارك" التي يقودها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ستعكس آثارا كبيرة على الاقتصاد العالمي على المدى القريب والبعيد أيضاً.
وأضاف الخبراء أن "آثار هذه الحرب، ستكون شبيهة لتبعات وباء كورونا على الاقتصاد العالمي وما نتج من تدهور للأنشطة المالية والتجارية في العالم بالأمس القريب".
وأشار الخبراء، في حديثهم لـ "إرم نيوز"، إلى أن "بوادر هذه الحرب تأخذ أبعاد مواجهة متصاعدة ومتعددة الأشكال، وآخر ذلك كان إعلان بكين إصدار تطبيق (ديب سيك) للذكاء الاصطناعي، علاوة على تسارع تقدمها التكنولوجي الواسع في تقنيات الجيل الخامس".
ويعكس ذلك تراكم جاهزية صينية من ترسانة وأدوات اقتصادية وتكنولوجية سيتم التعامل بها تباعاً طبقاً لمجريات تلك الحرب التجارية التي ستكون لها آثار بعدم الاستقرار على الاقتصاد العالمي".
وكان ترامب قد وقّع مؤخراً على أوامر الرسوم الجمركية ضد كندا والمكسيك والصين، التي هدد بها طيلة أشهر من حملته الانتخابية.
ويقول أستاذ الاقتصاد السياسي، الدكتور أحمد ياسين، إن إجراءات ترامب بفرض تعريفات جمركية على تكتلات اقتصادية عالمية رئيسة ستؤدي إلى كارثة على الاقتصاد العالمي سيظل مردودها قائما لسنوات.
ويضيف ياسين لـ"إرم نيوز"، أن تبعات ذلك ستكون شبيهة للواقع الاقتصادي العالمي نفسه الذي ترتب على انتشار جائحة كورونا، لأن الكثير من حكومات التكتلات الاقتصادية الدولية، ستتبع ذات النهج الذي اعتمدته في التعامل مع آثار الوباء، وهو ما أدى إلى تراجع اقتصاديات الدول الكبرى وتدهور أنشطتها المالية والتجارية.
ويوضح أن "ترامب لديه 4 سنوات في رئاسة الولايات المتحدة التي تعتبر أكبر اقتصاد في العالم وهو يدرك أن تلك السنوات ستكون الأخيرة له".
وأردف: "لذلك ليس هناك أي جانب من الممكن التأثير على خطوات ترامب التي يحاول اتباعها تجاه العديد من الدول ليحصل منهم على مكاسب سياسية، وإذا لم تتجاوب تلك البلدان معه، يكون التعامل عبر الضغط بفرض تلك التعريفات".
ونبّه إلى أن الخطورة تكمن في إمكانية الرد من التكتلات العالمية الاقتصادية الكبرى، مثل كندا والمكسيك. ومن المبكر فرضه هذه الخطوات بالشكل والوتيرة التي يهدد بها دولتين جارتين في ظل مستوى تبادل تجاري عالٍ.
وتحدث عن أوراق تستطيع كندا التعامل بها مع تلك الإجراءات الأمريكية والرد بالمثل عبر خطوات عقابية للشركات الأمريكية ولكنها ستترك أضرارا اقتصادية سلبية على كندا أيضا.
ودلل على ذلك بأن كندا تزود 3 ولايات أمريكية بالكهرباء لذلك بإمكان الشركات الكندية فرض تعريفات جمركية إضافية على الكهرباء التي تصدرها بجانب كميات من النفط.
ولفت إلى أن مثل هذه الخطوات، ستترك آثارا سلبية أيضا على الاقتصاد الكندي، والوضع نفسه بالنسبة للمكسيك التي أعلنت التعامل مع التعريفات الجمركية الأمريكية بالمثل مما يعني أن الأضرار الاقتصادية ستكون ضخمة ومتبادلة.
ووفق ياسين فإن الأضرار بالنسبة للاتحاد الأوروبي ستكون أكثر تأثيرا وخطورة لا سيما أن مستوى التبادل الاقتصادي على مستوى ضفتي الأطلسي لصالح القارة العجوز التي تصدر أكثر مما تستورد من المنتجات الأمريكية.
وأردف: "هناك شركات أوروبية تعتمد بشكل أساسي على السوق الأمريكية وعندما يفرض ترامب رسوما جمركية تصل إلى 10%، سيكون لذلك آثار جمة داخل قطاعات يقوم عليها الاقتصاد الأوروبي مثل صناعة السيارات بالنسبة للاقتصاد الألماني".
وقال إن "الصين أكبر قوة تصديرية في العالم ومستوى التجارة مع أمريكا كبير للغاية يتجاوز نصف تريليون دولار وهو لصالح بكين بفارق ضخم، وستفرض الأخيرة على أثر ذلك تعريفات جمركية على ما تستورده من منتجات أمريكية، ولكن هذه السلع قليلة مقارنة مع ما تصدره الصين للأسواق الأمريكية".
واستطرد: "لذلك فإن التبعات المباشرة لمثل هذه التعريفات ستكون سلبية وخطيرة لنشاط الشركات الصينية في الداخل الأمريكي، التي ستقوم على أثر ذلك بالعمل على إيجاد بدائل للسوق الأمريكي".
من جهته، يتوقع أستاذ الاقتصاد السياسي والمستشار السابق بالبنك الدولي، الدكتور عمرو صالح، أن يتمسك ترامب بالسير في هذه الإجراءات وتطبيقها بـ"شراسة" مع الدول المنافسة لأمريكا وفي الصدارة الصين، وسط انعكاس شخصية رجل الأعمال "المغامر" المتجسدة فيه والتي تجعله دائما يعمل في الدفاع عن مصالح الرأسمالية والشركات الكبرى في الولايات المتحدة.
ويرى صالح، في حديثه لـ "إرم نيوز"، أن تحرك ترامب سريعا نحو تلك السياسات، يأتي في ظل ارتباطه بالشركات الأمريكية الكبرى فكرياً ومالياً والعمل على تحقيق مصالحها، لا سيما أنهم قاموا بتمويل حملته الانتخابية، ويعتبر "مديونا" لهذه الكيانات.
وأوضح أن سير ترامب في هذا الاتجاه قائم منذ ولايته الأولى، عندما فرضت بلاده رسوما بقيمة 34 مليار دولار على البضائع الصينية وردت بكين بالمثل بالقيمة نفسها وهذه الرسوم تمثل 0.1 % من إجمالي الناتج المحلي العالمي.
واستكمل: "منتظر أن يتبع هذا النهج في ولايته الثانية، تحقيقا لمصالح الشركات الأمريكية الكبرى المرتبطة بهم، وعلى رأسهم إيلون ماسك، وهذا الفكر منعكس في تعيين مستشارين وموظفين كبار في إدارته وحكومته، في سابقة هي الأولى من نوعها، مما يوضح أبعاد هذه العلاقة".
وبحسب صالح فإن ترامب يذهب إلى نظرية "مصلحة الطرفين" أي مصلحته ومصلحة هذه الشركات، في إطار أنه "تاجر" في الأساس، واستفادة هذه الشركات وزيادة أعمالها وأرباحها ستجعل من يقول إنه في عهد "ترامب" حقق الاقتصاد نجاحات والمنتجات الأمريكية جاءت بأرباح ومكاسب لم تأتِ من قبل.
ولفت إلى أن "بوادر هذه الحرب منعكسة ومتبادلة وتأخذ أبعادا متغيرة من بين ذلك إعلان بكين عن برنامج "ديب سيك" وما يحرزه من تقدم واسع في تكنولوجيا الجيل الخامس "5جي"، لتتراكم جاهزية صينية من ترسانة وأدوات اقتصادية وتكنولوجية سيتم التعامل بها تباعا طبقا لمجريات الحرب التجارية التي سيكون لها آثار من عدم الاستقرار على الاقتصاد العالمي".
وحول توجه ترامب ضمن قراراته، بإلغاء اتفاقية التجارة العالمية لفرض رؤيته، أشار المتحدث ذاته إلى أنه "لن يستطيع ذلك في ظل التكتلات والكيانات الاقتصادية الدولية القائمة والمؤثرة".
وقال: "لكن من الممكن الخروج منها وتطبيق قواعده الخاصة حتى لو كانت مخالفة للاتفاقية، وإلغاء الاتفاقيات الحرة بين بلاده ودول أخرى مثل المكسيك وكندا".