مسيّرة تستهدف سيارة على طريق بلدة مركبا جنوبي لبنان
في خطوة تحمل أبعادًا اقتصادية وجيوسياسية عميقة، استضاف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قادة خمس دول من آسيا الوسطى في البيت الأبيض، في أول قمة من نوعها للمجموعة المعروفة باسم C5+1، التي تضم كازاخستان وأوزبكستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان.
وبحسب وكالة "بلومبرغ"، فقد جاء الاجتماع في لحظة حساسة تشهد فيها خريطة النفوذ العالمي تحولات متسارعة، وسط تصاعد التنافس بين الولايات المتحدة والصين وروسيا على الموارد الاستراتيجية الحيوية، وعلى رأسها المعادن النادرة التي تُعد العمود الفقري لصناعات التكنولوجيا المتقدمة والطاقة النظيفة.
المعادن محور صراع اقتصادي وجيوسياسي
أكد ترامب خلال لقائه القادة أن "من أهم بنود جدول أعمالنا المعادن الأساسية"، مشيرًا إلى أن إدارته تسعى لتوسيع سلاسل توريد هذه الموارد الحيوية بعيدًا عن الهيمنة الصينية.
ففي ظل اعتماد العالم على الصين كمصدر رئيس للعناصر الأرضية النادرة المستخدمة في إنتاج الهواتف الذكية، والطائرات، ومعدات الطاقة المتجددة، تحاول واشنطن الآن تنويع مصادرها عبر شراكات جديدة في آسيا الوسطى، المنطقة التي تُعد من أغنى مناطق العالم بهذه الموارد.
يأتي هذا التحرك بعد اتفاق هدنة تجارية مؤقت بين واشنطن وبكين، ألغت فيه الولايات المتحدة بعض الرسوم الجمركية مقابل رفع الصين قيودها على تصدير المعادن الأساسية؛ إلا أن عدم الثقة المتبادل بين القوتين دفع الإدارة الأمريكية إلى البحث عن بدائل استراتيجية أكثر استقرارًا.
كما تسعى واشنطن عبر هذه القمة إلى اختراق النفوذ الروسي والصيني التقليدي في آسيا الوسطى؛ فالمنطقة الغنية بالطاقة والمعادن كانت لعقود خاضعة لتأثير موسكو السياسي والأمني، ثم تحولت في العقد الأخير إلى مجال استثماري رئيسي لبكين ضمن مبادرة "الحزام والطريق".
بالتالي، فإن احتضان البيت الأبيض لقمة C5+1 يُعد محاولة أمريكية لإعادة تموضعها في قلب آسيا، عبر أدوات الاقتصاد والطاقة والتكنولوجيا.
وتزامن ذلك مع تحركات مشابهة من منافسين آخرين؛ حيث عقد فلاديمير بوتين قمة مع القادة الخمسة في طاجيكستان الشهر الماضي، بينما استضافهم شي جين بينغ في يونيو لتعزيز الاستثمارات الصينية.
إضافة إلى أن الاتحاد الأوروبي بدوره وقع في أبريل شراكة استراتيجية مع المنطقة بقيمة 13.8 مليار دولار.
كل ذلك يعكس احتدام سباق النفوذ على موارد المنطقة، وخاصة مع سعيها لتنويع شركائها بعد الحرب الروسية الأوكرانية وما تبعها من عقوبات غربية على موسكو.
صفقات اقتصادية وتوجهات استراتيجية
لم يغب الجانب الاقتصادي عن القمة، إذ أعلنت واشنطن عن صفقات ملموسة في مجالات المعادن والطيران؛ حيث استحوذت شركة "كوف كابيتال" الأمريكية على 70% من أكبر مصدر غير مطور للتنجستن في كازاخستان.
أعلنت الدول الخمس نيتها شراء 40 طائرة من شركة بوينغ، ما يشير إلى رغبة متبادلة في توسيع التعاون التجاري والصناعي.
من جانبه، عرض رئيس طاجيكستان إمام علي رحمان على ترامب فرصًا للاستثمار في رواسب المعادن النادرة، معتبرًا أنها قد تشكل قاعدة لتصنيع جيل جديد من مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي، في دلالة على إدراك دول المنطقة لأهمية التحول التكنولوجي كمحرك للتنمية.
رغم الإغراءات الاقتصادية الأمريكية، تواجه دول آسيا الوسطى معادلة معقدة في علاقاتها الخارجية؛ فهي لا تزال تعتمد على روسيا كشريك أمني واستراتيجي، بينما تمثل السوق الروسية وجهة رئيسية لعمالتها المهاجرة.
وفي المقابل، تشكل الصين أكبر شريك تجاري ومستثمر في البنى التحتية. لذا فإن انفتاح هذه الدول على واشنطن يتطلب توازنًا دقيقًا لتجنب الصدام مع الجارين القويين.
كما أن واشنطن، رغم وعودها بالاستثمار، تواصل تشديد رقابتها على الالتزام بالعقوبات المفروضة على موسكو، ما قد يعرقل بعض مشاريع التعاون في حال تصاعد التوترات.
لم تقتصر القمة على الاقتصاد فحسب، إذ أشار ترامب إلى جهوده للتوسط في وقف إطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا، وشجع الحاضرين على تطبيع العلاقات مع إسرائيل، في إشارة إلى توسيع ما يُعرف بـ"اتفاقيات أبراهام".
وأعلنت كازاخستان بالفعل انضمامها إلى تلك الاتفاقيات، في خطوة يرى مراقبون أنها تحمل دلالات رمزية لاصطفاف سياسي جديد ترعاه واشنطن.
تسعى إدارة ترامب إلى تحويل آسيا الوسطى من منطقة نفوذ تقليدي لموسكو وبكين إلى محور تعاون استراتيجي مع واشنطن، يرتكز على معادلة "الموارد مقابل الشراكة الاقتصادية والأمنية".
لكن هذا المسعى يواجه تحديات بنيوية، أبرزها، التشابك الجيوسياسي بين القوى الثلاث (أمريكا، الصين، روسيا)، وضعف البنية الاقتصادية والسياسية في بعض دول المنطقة، واعتمادها التاريخي على موسكو في المجال الأمني.
ورغم هذه الصعوبات، فإن تحركات واشنطن الأخيرة تكشف عن رؤية استراتيجية طويلة المدى لتأمين سلاسل التوريد الحيوية، وإعادة رسم موازين القوى في قلب آسيا، حيث تتقاطع الطاقة والمعادن والتكنولوجيا والسياسة في مشهد جديد من سباق الهيمنة العالمية.