بعد أشهر من التنسيق بين باريس وليبرفيل، يستعد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للقيام بزيارة رسمية إلى الغابون يومي 23 و24 نوفمبر، وهي الأولى منذ وصول برايس كلوتير أوليغي نغيما إلى السلطة عقب إطاحة نظام علي بونغو.
جاء توقيت الزيارة بشكل متعمّد ليتزامن مع نهاية الفترة الانتقالية، في وقت تقترب فيه الانتخابات الرئاسية والتشريعية وانتخابات مجلس الشيوخ من الاكتمال، بحسب مجلة "جون أفريك".
سبق أن زار نغيما باريس، في مايو 2024، والتقى ماكرون في الإليزيه، حيث أبدى رغبة واضحة في إعادة تنشيط العلاقات الثنائية؛ كما أن اختيار هذا الموعد الجديد يأخذ أيضًا في الاعتبار مشاركة الرئيس الفرنسي في قمتي مجموعة العشرين في جنوب أفريقيا والاتحاد الأفريقي–الاتحاد الأوروبي في لواندا.
وخلال الـ24 ساعة التي سيقضيها في ليبرفيل، سيعرض نغيما على ضيفه سلسلة من المشاريع العمرانية الضخمة التي تهدف إلى إعادة صياغة العاصمة، من بينها: تطوير منطقة "باي دي روا"، وبرج ليبرفيل، و"مدينة الديمقراطية". قبل مغادرة ماكرون، سيُدشّن الرئيسان المعهد الفرنسي بعد تجديده الكامل وإغلاقه لمدة عام.
ورغم الطابع البروتوكولي للزيارة، فإن اللقاء المغلق بين الزعيمين يُتوقّع أن يحمل نقاشات حساسة ترتبط بمستقبل النفوذ الفرنسي في واحدة من آخر الدول الأفريقية التي ما تزال تربطها بباريس علاقة دافئة نسبيًا.
من قضية بونغو إلى مأزق "إيراميه"
تحرص فرنسا منذ انقلاب أغسطس 2023 على الحفاظ على علاقة مستقرة مع نغيما، حتى مع تراجع شعبيتها في أفريقيا وتزايد الضغوط على نفوذها التقليدي، لذلك امتنعت باريس عن التعليق على حكم القضاء الغابوني بسجن سيلفيا ونور الدين بونغو 20 عامًا غيابيًا، رغم حملهما للجنسية الفرنسية.
وتشير المصادر إلى أن باريس تُوازن بدقة بين حماية مصالحها وبين تجنّب أي توتر مع السلطة الجديدة.
لكن الملف الأكثر سخونة هو ملف المنغنيز. إعلان نغيما استعادة السيطرة على الإنتاج الوطني ووقف تصدير الخام بحلول عام 2029، وهو قطاع تهيمن عليه شركة "إيراميه" الفرنسية، أثار قلقًا متزايدًا في باريس.
وعلى الرغم من لقاءات رفيعة المستوى بين نغيما والرئيس التنفيذي للمجموعة، فإن باريس تعتبر الجدول الزمني المقترح "طموحًا إلى حد المبالغة" وتخشى على مستقبل مصالحها الإستراتيجية.
يضيف التوجّه الجديد للغابون نحو تنويع الشركاء طبقة أخرى من التعقيد؛ فمذكرة التفاهم التي وُقعت نهاية أكتوبر مع "إكسون موبيل" الأمريكية تَعِد بتبدّل محتمل في شبكة النفوذ الاقتصادي داخل البلاد، ما يدفع باريس إلى التحرك بهدوء للحفاظ على دورها.
شبكة مصالح تزداد تشابكًا
بجانب المنغنيز، يحمل جدول المناقشات ملفات اقتصادية عديدة، أبرزها مشروع خط السكة الحديد العابر للغابون الذي يربط ليبرفيل بفرانسفيل، بتمويل قدره 173 مليون يورو من الوكالة الفرنسية للتنمية.
كما قد يتناول الجانبان تحريك المبادلات التجارية، خاصة بعد انعقاد المنتدى الاقتصادي الغابوني–الفرنسي في باريس العام الماضي.
وتعكس زيارة وفد منظمة "ميديف" الفرنسية لليبرفيل في الفترة نفسها، برئاسة فيليب لابون، رغبة واضحة من القطاع الخاص الفرنسي في ترسيخ حضوره داخل اقتصاد الغابون، خصوصًا في مجالات الخدمات اللوجستية والطاقة والبنى التحتية.
على المستوى البيئي، يحضر ملف حماية حوض الكونغو — أحد أهم الرئات الخضراء في العالم — كأولوية مشتركة. فالتنسيق بين البلدين تعزز بعد إعلان مشترك خلال مؤتمر المناخ (COP30) في البرازيل، حيث أكدا التزامهما بمبادرات الحماية وترسيخ التعاون العلمي والمالي في مجال الغابات والمناخ.
تأتي زيارة ماكرون لليبرفيل في لحظة تعيد فيها الغابون رسم توجهاتها السياسية والاقتصادية على الساحة الدولية.
وبين سعي باريس إلى تثبيت آخر معاقل نفوذها الأفريقي، ورغبة نغيما في تنويع شركائه دون خسارة الإرث الفرنسي، تبدو الزيارة اختبارًا حقيقيًا لمدى قدرة الطرفين على بناء علاقة متوازنة في مرحلة جديدة من التحولات الإقليمية.