أعلنت مؤسسة بريجيت باردو، الأحد، عن وفاة الممثلة الفرنسية الأسطورية، لتطوي بذلك صفحة استثنائية في تاريخ فرنسا الثقافي والسياسي. فباردو لم تكن مجرد أيقونة سينمائية، بل كانت أيضًا الشخصية الفنية الوحيدة التي أعلنت دعمها الصريح لليمين المتطرف الفرنسي على مدى 3 عقود.
عُرفت باردو بدورها الشهير في فيلم "الاحتقار"، لكن مسيرتها السياسية اتسمت بخطاب الكراهية العنصرية. حُكم عليها خمس مرات بتهمة التحريض على الكراهية العنصرية، ما جعلها حالة فريدة في المشهد الثقافي الفرنسي.
بعد اعتزالها التمثيل في التسعينيات، تبنت أفكار اليمين المتطرف وتزوجت من برنار دورمال، المستشار المقرب لجان ماري لوبان، الذي ظل زوجها حتى وفاتها.
رغم تشابه موقفها مع الممثل آلان ديلون في معاداة الهجرة والحنين لفرنسا الماضي، إلا أن باردو تميزت بخطابها المعادي للإسلام بشكل صريح. كانت تجسد صورة المرأة المتحررة، لكن رفضها للأعراف الاجتماعية دفعها لتجاوز حدود المقبول، متأرجحة بين الاستفزاز المتعمد والعنصرية الحقيقية.
بدأت العلاقة بين باردو وجان ماري لوبان في أواخر الخمسينيات، عندما كان نائبًا عن منطقة السين بعد عودته من حرب الجزائر. وصف لوبان في مذكراته اللقاء الأول معها، مشيرًا إلى أنها كانت تتفوق على مارلين مونرو. اقترح عليها زيارة الجنود الجرحى في المستشفيات، وهو ما قبلته رغم أنها لم تكن عسكرية التوجه.
كتب لوبان في مذكراته أن بينهما قواسم مشتركة أكثر مما يبدو، فهي تحب الحيوانات ولديها حنين لفرنسا نظيفة، بينما يعجبه شجاعتها وصراحتها.
تعمقت علاقات باردو بعائلة لوبان عندما أصبح جان لويس بوغرو، أحد أعمدة الجبهة الوطنية في منطقة فار، محاميها ومحامي مؤسستها للدفاع عن الحيوانات. في عام 1992، التقت بزوجها المستقبلي برنار دورمال خلال عشاء في سان تروبيه نظمته جاني لوبان وبوغرو.
إلى جانب هذا الناشط الذي شغل مناصب في الجبهة الوطنية بمنطقة الألب البحرية، بدأت باردو في التعبير عن قناعاتها السياسية بشكل علني ومرافقة صعود اليمين المتطرف.
في أواخر التسعينيات، أعلنت باردو دعمها لأوائل عمد الجبهة الوطنية في المدن الكبرى مثل تولون وفيتروليه. ترافق دفاعها عن الحيوانات مع خطاب معادٍ للإسلام. في رسالة نشرتها مجلة "بريزون" اليمينية المتطرفة، حذرت من عيد الأضحى، واصفةً إياه بالهاجس الدائم الذي سيغطي أرض فرنسا بدماء الخراف المذبوحة.
كانت تصريحاتها حادة ومثيرة للجدل، حيث ادعت أن النساء والأطفال والرهبان والموظفين والسياح والخراف يُذبحون، متسائلة عما إذا كانت فرنسا ستصبح مسلمة ورمزها ماريان مغاربية، ما جعلها تواجه إدانات قضائية.
في منزلها بلا مادراغ، كانت الصحف اليمينية المتطرفة موجودة على طاولة الصالون، لكن زوجها فقط كان يقرأها، بينما كانت هي تكتفي بالنظر إلى الرسوم الكاريكاتورية في جريدة "مينت".
كانت تكره اليسار ومفهوم "العيش المشترك" والاتحاد الأوروبي، وتتخيل فرنسا مغطاة بالبرقع والمآذن، وتعشق فلاديمير بوتين.
لم تشارك الجبهة الوطنية في كل شيء، فقد أعلنت تأييدها للإجهاض، واعتبرت جان ماري لوبان متطرفًا في بعض تصريحاته، خاصة الإنكارية منها. لكنها وصفته بأنه رجل لطيف ومثقف ولطيف للغاية.
فضلت باردو ابنته ماري لوبان، التي وصفتها بأنها جان دارك القرن الحادي والعشرين وأعطتها صوتها الانتخابي. التقطت صورًا مع فلوريان فيليبو في الفترة التي كان فيها النائب الثاني للجبهة الوطنية، كما كانت مؤسسة بريجيت باردو من أوائل عملاء شركة ريوال، المزود الخدمي للجبهة الوطنية الذي أسسه فريديريك شاتيون، والعضو السابق في منظمة GUD وصديق مارين لوبان.
مع مرور السنوات، بات الدفاع عن حقوق الحيوانات البوصلة السياسية الوحيدة لبريجيت باردو، وفي هذا الإطار وجدت تقاطعًا في المواقف مع مارين لوبان.
وقالت باردو في حوار مع صحيفة لوموند عام 2018، إنها تواصلت أيضًا مع زعيم اليسار جان لوك ميلانشون، وأشادت بكونه نباتيًّا وبطرحه مشروعًا لمناهضة المسالخ، مؤكدة أنها مستعدة للتصفيق والتصويت لأي شخصية، حتى لو كانت شيوعية، تتبنى مقترحات مؤسستها، قبل أن تعلن تخليها عن دعم أي طرف سياسي بشكل مباشر.
لكن بعد 3 سنوات، في عام 2021، نشرت مجلة "فاليور أكتويل" مقالًا أشادت فيه باردو بمارين لوبان وإريك زمور، ما يؤكد أن ارتباطها باليمين المتطرف ظل ثابتًا حتى السنوات الأخيرة من حياتها.
