اعترف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في خطوة رمزية لكنها ذات أهمية سياسية كبيرة، بالظلم الذي ألحقته فرنسا بهايتي قبل قرنين من الزمان.
وفي تصريح بمناسبة الذكرى المئوية الثانية للمرسوم الملكي الصادر في 17 أبريل/نيسان 1825، الذي اعترف رسميًا باستقلال هايتي، أقر ماكرون بأن إجبار الجمهورية الفتية على دفع تعويض مالي ضخم لقاء تحررها أخضعها لـ"قوة التاريخ الظالمة" وفق تعبيره.
ووفقًا لتقرير صحيفة "لوموند" الفرنسية، كانت هايتي قد أعلنت استقلالها في الأول من يناير/كانون الثاني 1804، بقيادة الجنرال جان جاك ديسالين، عقب انتصار القوات الثائرة على الحملة العسكرية الفرنسية التي أرسلها نابليون بونابرت لاستعادة السيطرة على سان دومينغو وإعادة فرض نظام العبودية.
وعلى الرغم من هذا الاستقلال المُنتزع بالدماء، اضطرت هايتي عام 1825 إلى دفع 150 مليون فرنك ذهبي، خُفِّض لاحقًا إلى 90 مليونًا في عام 1838، كتعويض لمُلّاك العبيد الفرنسيين السابقين.
وقد أثقلت هذه الديون، بفوائدها الباهظة، كاهل الاقتصاد الهايتي لعقود طويلة، إذ استمرت هايتي في سدادها حتى عام 1953.
وأعلن الرئيس الفرنسي عن تشكيل لجنة مشتركة بين فرنسا وهايتي لدراسة الماضي المشترك بين البلدين بكل أبعاده.
وستترأس اللجنة مناصفةً بين المؤرخ والدبلوماسي الفرنسي إيف سان-جور، والأستاذة الجامعية الهايتية غوستي-كلارا غايار-بورشيه، بهدف صياغة "سرد مشترك" يمهّد الطريق لمستقبل أكثر مصالحة، وربما لفتح نقاش مستقبلي حول مسألة التعويضات.
وأردف التقرير أن الطريق أمام هذه المبادرة محفوف بالتحديات، فالدولة الهايتية اليوم تعاني انهيارا شبه كامل، وسط دوامة من العنف السياسي وانعدام الاستقرار.
وفي المقابل، تواجه فرنسا مهمة شاقة في مراجعة ماضيها الاستعماري الذي لم يتم تصفيته بالكامل.
ورغم إشادة ماكرون بثورة هايتي بوصفها تجسيدًا لمبادئ الثورة الفرنسية، إلا أنه حمّل "قوى الثورة المضادة"، بعد استعادة الملكية عام 1814، مسؤولية القطيعة مع هايتي، متجاهلًا دور نابليون بونابرت في إرسال الحملة العسكرية لاستعادة العبودية، وهي الحملة التي فجّرت النزاع النهائي وأدّت إلى إعلان الاستقلال الهايتي.
وشدّد تقرير الصحيفة الفرنسية على أن المفارقة تتجلى في أن فرنسا الثورية، رغم سعيها لصياغة حقوق عالمية عبر القانون المدني، حرمت مستعمراتها من هذه الحقوق، مستندة إلى تمييز عنصري سيبقى أثره حاضرًا حتى نهاية الحقبة الاستعمارية الفرنسية.
وخلص التقرير إلى القول إنه بينما تشرع فرنسا في هذه المرحلة الجديدة من مراجعة تاريخها، يبقى التحدي الأكبر هو الانتقال من الاعتراف الرمزي إلى مواجهة الآثار العميقة للاستعمار، وهي مهمة محمّلة بتعقيدات سياسية وتاريخية وأخلاقية جسيمة.