قيَّمت دوائر أمنية وإستراتيجية في تل أبيب الوضع الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط بوصفه "حالة يصعب تعريفها وفق الاصطلاحات القديمة".
وذكرت صحيفة "معاريف" أن "الشرق الأوسط دخل مرحلة "الغموض الثالث"، وهو وضع "اللاحرب واللاسلم"، علاوة على "هيمنة العنف المتزن، والخطاب الناري، وغياب نية حقيقية للتصعيد على سائر زوايا المشهد".
وأضافت الصحيفة، وفقًا لمصادر أمنية وإستراتيجية، أن "المنطقة مع وداع عام 2025، لا تعيش الواقع الفوضوي الذي شهده العقد الفائت، وإنما دخلت مرحلة جديدة: "الغموض الثالث"، أو ما يمكن وصفه بـ"العنف المتأنِّي".
وعبّرت الصحيفة عن هذا الوضع بقولها إن "جميع الأطراف تُمارس لعبة الشطرنج، ولا يبدي أحدٌ استعدادًا للتضحية بـ الملك".
وأشارت إلى خطورة كبيرة، في ظل "ضبابية الجهة التي تبادر أوّلًا بالحرب، ومن أين يأتي الشر".
ووفقًا للتقييم الإسرائيلي، "باتت إيران أضعف في الوقت الراهن من أي وقت مضى، لكنها أكثر خطورة، ولا سيما بعد سلسلة الاغتيالات، والغارات الجوية، وتعطيل البنية التحتية في سوريا، واستمرار خسارة المحور الشيعي أصوله الإستراتيجية".
ووجهت إسرائيل والغرب ضربات دقيقة أدت إلى مقتل قادة، وإحباط عمليات تهريب، وإلحاق أضرار بقدرات "حزب الله" والميليشيات الموالية لإيران في العراق وسوريا.
ورغم هذه الضربات، فإنها "خلقت واقعًا متفجرًا"، إذ لم تعد إيران قادرة على شن حرب شاملة، لكن ردّها ارتكز على "نقاط الألم"، و"اختبار الحدود" دون إشعال المنطقة.
وفي ظل هذا الواقع، تتحرك إيران، بحسب تقديرات تل أبيب، نحو نموذج "اللدغة الدائمة"، وهو هجمات تتجاوز حدودها، ومحاولات تهريب متطورة، وهجمات ضئيلة، تكفي فقط للحفاظ على النفوذ، وتفادي اندلاع حرب بمفهومها الشامل.
أما "حزب الله"، فبات هو الآخر في معضلة: يجب عليه الرد، وفي الوقت نفسه تفادي التصعيد، خاصة أن الحزب سقط في "فخ تاريخي"، إذ إن اندلاع حرب شاملة، يفضي إلى تدمير لبنان، وتمزيق القاعدة الشعبية للحزب؛ أما إذا التزم الصمت، فسيفقد هيبته في المعسكر الشيعي، وتفقد راعيته الإيرانية ثقتها به.
وبحسب "معاريف" فإن ثقة إيران في حزب الله "أضحت ممزقة حد الإذلال"، لذلك يلجأ الحزب في الوقت الراهن إلى الحلول الوسطية، حتى وإن كان ذلك نظريًّا فقط حتى الآن، إذ يقتصر نشاطه على ضربات متوسطة الوطأة، للحفاظ على وضعية "إبقاء النيران مستمرة"، وتدمير البنية التحتية العسكرية الإسرائيلية دون المساس بشرايين الحياة، والحفاظ على حالة من التوتر الدائم".
وتطبيقًا لنظرية "الغموض الثالث" على "حزب الله"، رأت التقييمات الإسرائيلية أنه "رغم تلقي الحزب ضربات موجعة من الجيش الإسرائيلي؛ ما وضعه في إطار بالغ التعقيد- فإنه لا ينبغي التعاطي معه على أنه ضعيف، حتى وإن تقلَّصت فرص محوريته في الانزلاق إلى حرب شاملة وتدهور الشرق الأوسط".
ووسط عمومية هذه الحالة الإقليمية، "لا تمتلك إسرائيل مساحة كافية للتحرك، وهو ما يرسِّخ حالة "اللا حرب واللا سلم"، حتى وإن كانت إسرائيل حاليًّا أقوى في التكتيكات، والقدرات الاستخباراتية، والدقة"، بحسب تقييمات المصادر.
ورأت المصادر أنه "مع امتلاك إسرائيل رادعًا محليًّا على كل جبهة تقريبًا، فإن هامش مناورتها الإستراتيجية ضيِّق للغاية، وعليها الصمود أمام اختبار واشنطن والساحات الإقليمية والدولية".
ووفقًا لتقديرات تل أبيب، من هنا يأتي الخطر الكبير، وهو "وهم الهدوء". ففي حالة السلم، هناك قواعد، وفي حالة الحرب، هناك أهداف واضحة. أما في حالة "الغموض الثالث"، فيترسخ وهم واحد كبير، وهو أن "كل الأمور تحت السيطرة".
وخلصت التقديرات إلى أن "الشرق الأوسط لا يتجه حاليًّا نحو السلام، ولا يتجه نحو الحرب، بل يتجه نحو منطقة فاصلة خطيرة، حيث ينتظر كل طرف الفرصة، لكنه يخشى اغتنامها. وفي عصر "الغموض الثالث"، من يظن أن المنطقة هادئة لا يصغي جيدًا، أو يختار عدم الاستماع".