في خضم التوترات المتصاعدة في منطقة البحر الكاريبي، كشفت تحركات البنتاغون الأخيرة عن جانب اقتصادي بالغ الأهمية، حيث يتمحور حول موجة واسعة من المكاسب للشركات الدفاعية الأمريكية التي تبدو المستفيد الأكبر من الحشد العسكري الأمريكي المتنامي، وفق تحليل نشرته مؤسسة Responsible Statecraft.
فبينما تُبرّر واشنطن تعزيز حضورها العسكري بملاحقة شبكات تهريب المخدرات المرتبطة بفنزويلا وكارتلات إقليمية، تتجه مليارات الدولارات من دافعي الضرائب إلى خزائن كبار مصنّعي السلاح.
سباق تسلّح في الكاريبي
شهدت المنطقة نشر مجموعة لافتة من السفن والغواصات والطائرات المتقدمة؛ ما أعاد رسم الخريطة العسكرية الأمريكية في نصف الكرة الغربي.
فقد دفعت الولايات المتحدة بمدمرات صاروخية موجهة من طراز "يو إس إس غرافيلي" و"يو إس إس جيسون دونهام"، إضافة إلى السفينة الحربية "يو إس إس جيتيسبيرغ" المزودة بنظام إيجيس، والسفينة القتالية الساحلية "يو إس إس سيوكس سيتي"، والغواصة الهجومية النووية "يو إس إس نيوبورت نيوز".
هذه الأصول ليست مجرد رموز للقوة، بل هي محركات استنزاف مالي هائل؛ حيث تبلغ تكلفة المدمرة الواحدة من فئة Arleigh Burke نحو 2.5 مليار دولار، فيما تصل تكلفة الطائرة الهجومية AC‑130J Ghostrider إلى 165 مليون دولار.
أما طائرات P‑8 Poseidon، فثمن الواحدة منها 83 مليون دولار، بينما تُسعَّر مركبات الإنزال الهوائية بنحو 90 مليون دولار.
هذا الانتشار الضخم يضع المنطقة على مسار تصعيدي مشابه لحقبات المواجهات البحرية الباردة، لكنه في الوقت ذاته يضخ سيولة مالية غير مسبوقة في قطاع الصناعات الدفاعية الأمريكية.
الحصاد على حساب دافعي الضرائب
يوضح التقرير أن شركات الدفاع الأمريكية الخمس الكبرى، لوكهيد مارتن، بوينغ، RTX، جنرال أتوميكس، ونورثروب غرومان، تقف على رأس المستفيدين المباشرين من هذه العمليات.
وذكر التقرير أن ما يظهر في العقود العسكرية لا يمثل سوى الجزء الظاهر من جبل الجليد؛ إذ تشكل تكاليف الصيانة والدعم الفني نحو 70% من تكلفة دورة حياة أي نظام سلاح؛ ما يعني استمرار تدفق الأرباح لسنوات طويلة.
حققت جنرال أتوميكس مكسباً سريعاً بتوقيع عقد ضخم قيمته 14.1 مليار دولار لدعم عمليات MQ-9 Reaper، بعد أسابيع فقط من بدء الحملة الأمريكية.
أما لوكهيد مارتن، منتجة مقاتلات F-35 وطائرات الهجوم AC-130J وأنظمة إيجيس، فقد حصلت على عقد بقيمة 3.1 مليار دولار لدعم النظام القتالي للسفن الحربية.
كما ضخت الشركة 50 مليون دولار في شركة Saildrone لتطوير مركبات غير مأهولة تُستخدم في المراقبة البحرية منذ فبراير الماضي.
بدورها، تتهيأ شركة RTX، المصنعة لصواريخ توماهوك التي يصل ثمن الواحد منها إلى 1.3 مليون دولار، لجني أرباح إضافية في حال اضطُر البنتاغون لتعويض مخزونه بعد تنفيذ العمليات المستمرة.
بهذه الصورة، تتحول حملة مكافحة المخدرات إلى فرصة ذهبية لتعزيز الطلب على الأسلحة الأمريكية؛ ما يثير تساؤلات حول دوافع التصعيد وطبيعته وحدوده الفعلية.
من مكافحة المخدرات إلى استعراض القوة
تزامن التصعيد العسكري مع توقيع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في أول يوم من ولايته الثانية، أمراً تنفيذياً يصنف الكارتلات كـ"منظمات إرهابية أجنبية"؛ هذا القرار فتح الباب أمام عمليات عسكرية أكثر عدوانية ومرونة قانونية في البحر الكاريبي والمحيط الهادئ.
بدأت العمليات فعلياً في سبتمبر الماضي بإغراق قارب فنزويلي يُتهم بالاتجار بالمخدرات، قبل أن تتوسع الضربات الجوية والبحرية لاحقاً.
وبحلول أواخر أكتوبر، امتدت الحملة إلى شرق المحيط الهادئ، مستهدفة طرق التهريب بين أمريكا اللاتينية والسواحل الشمالية الغربية.
ووفق التقرير، نفذ الجيش الأمريكي ما لا يقل عن 20 ضربة ضد سفن يُشتبه بارتباطها بالتهريب منذ سبتمبر؛ ما أسفر عن 80 قتيلاً؛ هذا التصعيد يجعل المنطقة واحدة من أكثر المسارح العسكرية نشاطاً في نصف الكرة الغربي منذ عقود.
لكن وسط هذا الزخم، تبرز قراءة أخرى لا تقل أهمية؛ هل يتعلق الأمر فعلاً بتجفيف منابع التهريب؟ أم أن الديناميكية الأمنية باتت منصة لإعادة تنشيط الصناعات الدفاعية الأمريكية؟
بهذا السياق، يبدو أن البحر الكاريبي يتحول اليوم إلى ساحة تتقاطع فيها الأهداف الأمنية مع المصالح الاقتصادية، حيث تُعاد صياغة الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة وفق معادلة؛ أن كل تصعيد عسكري، يساويه مكسب صناعي.