في تطور جديد كشف كواليس قرارات البيت الأبيض الحربية، أصدر مكتب الإرشاد القانوني بوزارة العدل مذكرة سرية تزيد عن 40 صفحة، تقر قانونية ضربات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على قوارب المخدرات في البحر الكاريبي والمحيط الهادئ، التي أودت بحياة 80 شخصاً حتى الآن.
المذكرة، التي تبرر شرعية هذه "الإعدامات" خارج نطاق القضاء بسلطات الرئيس في زمن الحرب، استندت إلى فكرة أن الولايات المتحدة وحلفاءها في حالة صراع مسلح قانوني مع كارتلات المخدرات، وهي فرضية تعتمد بشكل كبير على رواية البيت الأبيض نفسه، بحسب ما كشفته مصادر مطلعة على الوثيقة لصحيفة "نيويورك تايمز".
وتفتتح المذكرة بتسلسل طويل لادعاءات البيت الأبيض، منها أن كارتلات المخدرات تتعمد قتل الأمريكيين وزعزعة استقرار نصف الكرة الغربي.
ولا تُقدم هذه العصابات كمجرد شركات إجرامية تسعى للربح، بل كإرهابيين يبيعون المخدرات لتمويل العنف، وفقا للمصادر.
وكشفت المذكرة أن الرئيس ترامب يملك سلطة شرعية لإعلان حالة صراع مسلح رسمية مع ما أسمته "كارتلات إرهاب المخدرات - narco-terrorist cartels".
ومن أبرز استنتاجاتها أن القوارب التي يُعتقد أنها تحمل مخدرات تعد أهدافاً عسكرية مشروعة، لأن عائدات بيع حمولتها ستُستخدم في شراء معدات عسكرية لخوض "الصراع المزعوم".
وفي قسم مطول بنهاية الوثيقة، تُقدم المذكرة دروعاً قانونية محتملة في حال وجهت اتهامات لمسؤولين أو جنود، إذ إن كل من ينفذ أوامر تتوافق مع قوانين الحرب يتمتع بحصانة ساحة المعركة، لأن واشنطن - بحسب المذكرة - في صراع مسلح فعلي.
ورد البيت الأبيض بأن "الرئيس ترامب وجه الضربات بموجب صلاحياته الدستورية، وهي تتوافق مع قانون النزاع المسلح".
ومنذ 2 سبتمبر، هاجمت القوات الأمريكية 20 قارباً في البحر الكاريبي والمحيط الهادئ الشرقي، مُعلنة أنها تهرّب مخدرات.
الإدارة الأمريكية هنا استندت إلى معلومات استخباراتية دون تقديم أدلة محددة، وأبلغت الكونغرس في سبتمبر أن ترامب قرر أن بلاده في صراع مسلح مع كارتلات المخدرات، وأن من يُقتلون على متن القوارب هم "مقاتلون".
لكن الخبراء في القوانين الدولية يرفضون هذا التفسير جملة وتفصيلاً، متهمين الإدارة بتجاهل الفجوة بين تهريب المخدرات مهما كان خطيراً وبين الهجمات المسلحة التي تُنشئ حالة حرب، وفق ما نقلت عنهم الصحيفة الأمريكية.
المذكرة، التي سُمح لأعضاء الكونغرس وموظفيهم بقراءتها تحت إشراف تي. إليوت غايزر، مدير مكتب الإرشاد القانوني، تُجيب على سؤال البيت الأبيض: هل يجوز استخدام قوة قاتلة محدودة ضد سفن غير مسجلة في المياه الدولية لوقف تدفق المخدرات من كارتلات مُصنّفة إرهابية؟
ومن أبرز النقاط المثيرة للجدل: تقبّل المذكرة ادعاء البيت الأبيض بأن الكارتلات تتسبب في عشرات آلاف الوفيات الأمريكية سنوياً، دون الإشارة إلى أن الارتفاع الحاد في الجرعات الزائدة ناتج عن الفنتانيل من معامل مكسيكية، وليس الكوكايين الأمريكي الجنوبي.
إضافة إلى أنها تُبرر الضربات بالدفاع الذاتي الجماعي عن دول مثل كولومبيا والمكسيك، لكنها لا تذكر ما إذا طلبت أي دولة تدخلاً عسكرياً أمريكياً في المياه الدولية.
كما أنها ركزت على تصنيف الكارتلات كـ"منظمات إرهابية أجنبية" بقرار من ترامب نفسه قبل أشهر، رغم أن هذا التصنيف غير مسبوق لعصابات إجرامية تقليدية.
واستهدفت ضربة 19 أكتوبر قارباً قالت الإدارة إنه مرتبط بـجيش التحرير الوطني "E.L.N"، لكن الرئيس الكولومبي أدان الضربات وطالب بوقفها فوراً.
من جهته، يرى بريان فينوكين، خبير قوانين الحرب السابق بوزارة الخارجية، أن استهداف شحنات المخدرات لتمويل "نشاط حربي" له سوابق مثل: ضرب منشآت نفط تنظيم داعش الإرهابي أو معامل طالبان في أفغانستان، لكنه يشكك في وجود صراع مسلح حقيقي أصلاً، ويؤكد أن ربط حمولة مخدرات بأنشطة عسكرية محددة ضعيف جداً.
المذكرة تتجاوز أيضاً غياب تفويض الكونغرس، مشيرة إلى أن ترامب بصفته قائداً أعلى يملك سلطة دستورية لأن العمليات "دون نطاق حرب دستورية"، وأن الضربات الجوية دون تعريض جنود أمريكيين للخطر لا تُعدّ "أعمالاً عدائية" بموجب قانون صلاحيات الحرب لعام 1973.
في قسمها الختامي، تُقارن المذكرة الجنود المنفذين للضربات بـشرطي يتجاوز السرعة لملاحقة مجرم خطير – لا جريمة، بل واجب حماية المجتمع.
أما التصعيد المحتمل، بحسب التقرير، يتمثل في أن البنتاغون ينقل قوة بحرية ضخمة إلى المنطقة، حيث لمح ترامب علناً لضربات برية، خاصة ضد فنزويلا وزعيمها نيكولاس مادورو، الذي يصفه مسؤولون بـ"الإرهابي" و"زعيم كارتل المخدرات"، إلا أن المذكرة الحالية لا تتطرق لفنزويلا أو أي ضربات برية قد تحتاج الإدارة إلى مذكرة جديدة.
ويأتي الكشف عن المذكرة في أعقاب شن واشنطن عملية عسكرية أطلقت عليها "الرمح الجنوبي" ضد مهربي المخدرات في البحر الكاريبي، بأمر من ترامب.
وقال وزير الحرب الأمريكي بيت هيغسيث إن عملية "الرمح الجنوبي" تستهدف "الإرهابيين المرتبطين بتجارة المخدرات في نصف الكرة الغربي".
فيما حذر الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، اليوم الجمعة، ترامب من شن الحرب ضد بلاده.
وشدد مادورو، في مقابلة أجرتها معه شبكة "سي إن إن"، على عدم دخول الولايات المتحدة في صراع مع بلاده وعدم الانخراط في مزيد من الحروب.
ودعا مادورو في الوقت ذاته الشعب الأمريكي إلى "الاتحاد مع فنزويلا من أجل السلام في المنطقة"، على حد تعبيره.