في وقتٍ تعيش الساحة السياسية الفرنسية حالة ترقّب غير مسبوقة، يبرز جوردان بارديلا، رئيس "التجمّع الوطني"، كوريثٍ سياسي محتمل لمارين لوبان، ووجهٍ صاعدٍ يسعى بثبات إلى تثبيت شرعيته أمام الشارع الفرنسي.
وبين جولات ميدانية لا تهدأ وظهور إعلامي محسوب بدقّة، يعمل الشاب الثلاثيني على إعادة رسم ملامح المعركة الرئاسية المنتظرة، مستفيدًا من موجة شعبية تتصاعد باستمرار، ومن فراغ سياسي بدأت علاماته تظهر حتى داخل معسكر اليمين المتطرّف نفسه.
وبينما حدّدت مارين لوبان جدولًا زمنيًا لانتقال القيادة في حال منعتها المتاعب القضائية من الترشح، تتجه الأنظار كلّها إلى وريثها السياسي، الذي تشير استطلاعات الرأي إلى فوزه في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في كل السيناريوهات المطروحة.
وبحسب "لوفيغارو"، يؤكد بارديلا أنه استلهم الفكرة خلال جولة التوقيع على كتابه الأول "ما أبحث عنه"، أمّا ناشره نيكولا ديات، فيقول إن الفكرة جاءته حين رأى الطوابير الطويلة من القرّاء أمام الشاب القومي الصاعد.
وبعد أشهر قليلة، صدر كتابه الثاني "ما يريده الفرنسيون"، الذي يتضمّن بروفيلات لـ20 فرنسيًا، من بينهم منتخبة من حزب التجمّع الوطني. وقد شكّل الكتاب فرصة لبارديلا ليبدأ جولة جديدة في أنحاء فرنسا، حيث يوقّع كتابًا كل 15 ثانية ويلتقط صورًا لا تُعدّ… وقد بيع منه نحو 50 ألف نسخة حتى الآن.
وبشكل غير مقصود، طبّق بارديلا (30 عامًا) نصيحة أحد مقرّبي لوبان، وكذلك نصيحة الجمهوري إريك سيوتي نفسه. ففي وقت كانت النقاشات البرلمانية حول الموازنة على وشك الانطلاق، طرح سيوتي فكرة غريبة: لماذا لا يهجر النواب قاعة البرلمان لبعض الوقت ويعودون إلى الأسواق والفعاليات المحلية؟
وقال أحد المستشارين: "أحيانًا يجب أن نتذكر أن الجمعية الوطنية ليست كل السياسة"، مشيرًا إلى أن مسرح السياسة الحقيقي في مكان آخر، وبينما تقود لوبان معركتها داخل البرلمان ضد حكومة سيباستيان لوكورنو، يواصل بارديلا حملته الدائمة… وقد تعرّض مؤخرًا لرشقٍ بالطحين خلال مشاركته في إحدى الفعاليات بمدينة فيزول.
ولا يبدو الأمر مهمًا بالنسبة إليه، فاستطلاع جديد منح قادة "التجمّع الوطني" دفعة قوية: بارديلا يتقدّم في الجولة الثانية على إدوار فيليب وغابرييل أتال ورافاييل غلوكسمان، بل ويسحق جان لوك ميلنشون في المواجهة المباشرة.
لكن أحد المخطّطين الاستراتيجيين بحزب لوبان يقول إنّ "الاستطلاعات لها حدود، لكن الدينامية حقيقية، وحاجز الجبهة الجمهورية لم يكن يومًا بهذا الضعف. اللافت أن اسم مارين لوبان نفسها، التي خاضت ثلاث رئاسيات، يكاد يختفي من استطلاعات الرأي".
بعد صدور حكم ابتدائي بمنعها من الترشح لخمس سنوات بسبب قضية "مساعدي البرلمان الأوروبي"، لم تستبعد لوبان أن تتنحّى إذا تأيّد الحكم في الاستئناف بحلول صيف 2026. ورغم أن هذا "ليس تخليًا عن الطموح"، على حدّ قولها، فإن خيار بارديلا بات حاضرًا في أذهان الجميع، خصوصًا خصومه الذين يصفه بعضهم بأنه "هشّ" و"يفقد توازنه خارج النصوص المكتوبة".
ومن داخل اليمين التقليدي (LR)، يقول أحد المقرّبين: "الأمير محبوب، لكن شعبيته مستمدة من أمّه السياسية. إذا قررت أن تزيحه، انتهى كل شيء".
بارديلا، المعروف بتكتّمه، يكاد يختفي من المشهد الإعلامي. يقلّل ظهوره ويتفادى المقابلات، ما يجعل "من الصعب على الصحافة أن تروي عنه شيئًا"، كما يصفه أحد المقرّبين. وحتى داخل الحزب، يؤكد كثيرون أن لوبان "أفضل منه كمرشّحة" وأنه نفسه "يعرف ذلك جيدًا". ومع ذلك، يترك آثارًا صغيرة تشير إلى نيّته.
يستمدّ بارديلا ثقافته الاقتصادية الجديدة من الملياردير فرانسوا دورفي، الذي ينقل له شعارًا واحدًا: "الاقتصاد علم… وليس عقيدة". ومع أمبواز دو رانكور، مدير مكتب لوبان، يسعى الرجلان إلى إعادة هيكلة التفكير داخل الحزب. وقد استُعين بخبراء كبار لتجهيزه قبل حواره مع "ذا إيكونوميست" حول البنك المركزي الأوروبي والدَّين العام.
وإذا أصبح جوردان بارديلا مرشحًا بدلًا من مارين لوبان، فسيرث الذئب الشاب آلة رئاسية كانت مكرسة بالكامل لمعلّمته، وسيرث أيضًا برنامجًا يجمع بين الشعبوية والواقعية. لكن يبقى السؤال: هل يتجرأ على إعادة كتابة القصة… أم يواصل ما بدأته زعيمته؟