لم تمضِ سوى أسابيع على إسقاط "ضريبة زوكمان" في الجعية الوطنية لإنقاذ ميزانية البلاد، حتى فجر اليسار الفرنسي اليوم الأربعاء داخل مجلس الشيوخ قنبلة سياسية جديدة أشعلت هجوماً عنيفاً وجدلاً واسعاً في كل الأوساط.
وهذه المرة لم يكتفِ الاشتراكيون بإعادة إحياء فكرة الضريبة، بل ذهبوا أبعد باقتراح صادم يعيد الأذهان مباشرة إلى بداية الثمانينيات، أيام الرئيس الاشتراكي الراحل فرانسوا ميتيران ورئيس وزرائه بيير موروي، حين أُجبر الأثرياء على إقراض الدولة مبالغ طائلة بدون أي فائدة في عملية تاريخية لا تزال تُعرف حتى اليوم بـ"القرض الموروي".
وفكرة "ضريبة الأثرياء الكبرى" التي فشلت سابقاً أطلق عليها اسم "ضريبة زوكمان" نسبة إلى الاقتصادي الفرنسي الشهير غابرييل زوكمان في الجمعية الوطنية، سببت أزمة كبيرة بعد أن طرحها اليسار في مجلس الشيوخ وقوبلت برفض واسع.
أعضاء مجلس الشيوخ المنتمون للحزب الاشتراكي تقدموا باقتراح يشبه كثيراً ما حدث قبل أكثر من 40 عاماً في عهد رئيس الوزراء الاشتراكي الراحل بيير موروي.
في ذلك الوقت، وبسبب أزمة مالية حادة، أجبرت الحكومة الاشتراكية الأثرياء على إقراض الدولة مبلغاً كبيراً بدون فائدة لمدة سنتين، وأُطلق على المشروع اسم "القرض الموروي" الذي لا يزال يثير الجدل حتى الآن.
اليوم، يريد السيناتور الاشتراكي باتريك كانر وزملاؤه إعادة إحياء الفكرة نفسها تقريباً، لكن باسم جديد: "القرض الإلزامي بدون فائدة".
بحسب تقرير لصحيفة "لوفيغارو" فإن كل أسرة ثرية تدفع حالياً "ضرائب الأثرياء" ستُجبر على دفع مبلغ إضافي يُحسب كنسبة مئوية مباشرة من الضرائب التي سددتها بالفعل، وتحديداً 30% من ضريبة الثروة العقارية "IFI" (التي تُفرض فقط على من يملكون عقارات تزيد قيمتها عن 1.3 مليون يورو).
كما يحدد اقتراح الاشتراكيين ما نسبته 30% من الضريبة الاستثنائية على الدخول المرتفعة جداً، و20% من الضرائب المدفوعة في الشريحتين الأعلى لضريبة الدخل (41% و45%).
وهذا المبلغ لن يُعتبر ضريبة نهائية، بل قرضاً إجبارياً تسترده الأسرة كاملاً بعد ثلاث سنوات فقط، وبدون أي فائدة أو تعويض عن التضخم.
ووفق حسابات الاشتراكيين سيجمع القرض حوالي 6 مليارات يورو في سنة 2026 وحدها، أي ما يعادل تقريباً ميزانية وزارة العدل الفرنسية بأكملها.
اليمين والوسط هبوا غاضبين واصفين الفكرة بـ"المصادرة المقنّعة" و"الانتهاك الصارخ للملكية الخاصة"، فيما دافع اليسار عنها قائلاً إن الأثرياء استفادوا لسنوات من الأزمات ومن التخفيضات الضريبية، وإنه حان الوقت ليساهموا بجدية في إنقاذ المالية العامة دون تحميل الطبقة الوسطى المزيد من الأعباء.
وستحسم الأيام المقبلة مصير هذا الاقتراح داخل مجلس الشيوخ، فحتى لو رُفض (وهو الأرجح بسبب أغلبية اليمين والوسط)، فإن مجرد طرحه يُظهر مدى التوتر الشديد الذي وصلت إليه المالية العامة الفرنسية ومدى استعداد اليسار لاستخدام أقسى الأسلحة الرمزية في معركة الميزانية، وفق مراقبين.