قالت صحيفة التايمز البريطانية في تقرير لها إن كلاً من بريطانيا وفرنسا، وعلى الرغم من العلاقات التي يشوبها نوع من "الاستياء الودي"، باتتا بحاجة متبادلة أكثر من أي وقت مضى، في ظل تطورات عالمية وإقليمية متسارعة.
ويأتي التقرير تزامنًا مع زيارة الدولة التي يجريها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بريطانيا هذا الأسبوع، حيث يلتقي رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، في أول زيارة من نوعها منذ استقبال الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي من قبل الملكة إليزابيث في قلعة وندسور عام 2008.
وتؤكد الصحيفة أن الزعيمين، وكلاهما يعاني من تراجع شعبيته داخليًا، مطالبان بإيجاد صيغة للتعاون الفاعل بين البلدين.
وترى الصحيفة أن بريطانيا وفرنسا لم تكونا بحاجة إلى بعضهما البعض بهذا القدر منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لا سيما مع تصاعد التوتر في علاقات التحالف الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة في عهد دونالد ترامب، وتهديدات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تجاه أوروبا الشرقية.
وتُشير التايمز إلى أن ضعف شعبية ماكرون وستارمر، وكلاهما وصل إلى السلطة بدعم محدود من الناخبين، يعكس هشاشة المشهد الديمقراطي في كلا البلدين.
وأضافت الصحيفة أن أياً منهما لم يكن ليُعتبر زعيماً مؤهلاً للمنافسة خلال حقب زعماء كبار مثل تاتشر، وديغول، وبلير، وميتران، وشيراك.
وترى الصحيفة أن فرنسا وبريطانيا، رغم مساراتهما الاستراتيجية المختلفة والمتضاربة عبر أكثر من قرن، كانتا تسعيان لتحقيق نفوذ يفوق حجمهما الواقعي، لكن تلك الاستراتيجيات باتت اليوم في حكم المفلسة.
وتشير إلى أن الرئيس ترامب فضح "العلاقة الخاصة" بين بريطانيا وأمريكا باعتبارها نزوة عاطفية، في حين تبددت رهانات فرنسا على الاتحاد الأوروبي كمنصة للنفوذ العالمي، خاصة بعد ضعف دور الاتحاد في ملفات كأوكرانيا والشرق الأوسط.
وأوضحت الصحيفة أن كلا البلدين يعانيان من مشكلات هيكلية متشابهة، أهمها الإنفاق المفرط على "عائد السلام"، أي المكاسب المالية التي جاءت بعد خفض الإنفاق الدفاعي عقب الحرب الباردة، مما أضعف قدراتهما العسكرية.
ووفق الصحيفة فإن "كونهما القوتين العسكريتين الرئيستين في أوروبا لا يعكس قوتهما، بل يكشف عن ضعف أوروبا نفسها، في مواجهة روسيا التي لا يتجاوز ناتجها المحلي الإجمالي نظيره في إسبانيا".
وتلفت الصحيفة إلى أن جزءًا كبيرًا من الموارد الاقتصادية في كلا البلدين يُستهلك في تمويل أنظمة رعاية اجتماعية ضخمة وجهاز بيروقراطي مترهل، وسط ضغط متزايد من جماعات ضغط داخل القطاع العام.
وبينما يُراعي الزعيمان اعتبارات الأقليات العرقية، تقترب كل من بريطانيا وفرنسا من الحد الأقصى لطاقتهما على فرض الضرائب والاستدانة، ما يُصعّب الاعتماد على النمو الاقتصادي كمخرج من الأزمات.
وتؤكد الصحيفة أن بريطانيا وفرنسا، رغم انشغالهما بما تصفه بـ"هوس التدهور الوطني"، لا تزالان دولتين عظميين، تحتفظان بمقعدين دائمين في مجلس الأمن.
وترى أن تراجع نفوذهما العالمي لا يرتبط بحتمية جيوسياسية، بل بخيارات سياسية، خاصة في حالة بريطانيا التي تبنت فيها النخبة السياسية خطابًا متشائمًا ومترهلًا تجاه مكانة البلاد الدولية.
وتخلص التايمز إلى أن على الزعيمين، إذا أرادا لعب دور جاد على الساحة العالمية، أن يعملا على تطوير "علاقة خاصة" جديدة، فرنسية-بريطانية، قائمة على أسس التعاون المتوفرة فعلاً في اتفاقية لانكستر هاوس، خاصة في ملف الأسلحة النووية، التي وصفتها الاستراتيجية الأمنية البريطانية الأخيرة بأنها "فريدة على مستوى أوروبا".
غير أن التقرير يُبدي شكوكًا في قدرة ماكرون "المستاء" وستارمر "الضعيف" على تحقيق مكاسب حقيقية من هذه العلاقة، مرجّحًا أن تكون بريطانيا الطرف الخاسر فيها.