logo
العالم

كيف تستفيد أوروبا من خبرات إسرائيل لمواجهة تسلل المسيرات المجهولة؟

نظام هيرون الجوي المُسير متوسط ​​الارتفاعالمصدر: صناعات الفضاء الإسرائيلية

تتزايد الحوادث الأمنية المرتبطة بالطائرات المسيرة في أوروبا بوتيرة مثيرة للقلق، ما يعكس اتساع نطاق التهديدات الجوية غير التقليدية.

ففي مطلع نوفمبر، أُغلق مطار بروكسل مؤقتًا إثر رصد طائرة مسيرة مجهولة، وبعد أيام فقط تكرر المشهد في مطار لييج. 

ولم تقتصر الاختراقات على المجال المدني، إذ رُصدت طائرات مسيرة فوق قواعد عسكرية حساسة يُعتقد أنها تحتوي على أسلحة نووية أمريكية.

هذه الحوادث ليست معزولة، بل جزءا من نمط متكرر في مطارات وبنى تحتية أوروبية متعددة. المحللون وصفوا الظاهرة بأنها "تكتيك حرب هجينة" يهدف إلى اختبار الدفاعات الجوية وقياس قدرة الدول على الاستجابة، بحسب قناة "جيه إن إس".

أخبار ذات علاقة

محطة دويل للطاقة النووية في بلجيكا

رصد 3 طائرات مسيرة فوق محطة دويل للطاقة النووية في بلجيكا

وتُدرك الحكومات الأوروبية الآن أن المشكلات التي واجهتها إسرائيل لسنوات – مثل اكتشاف الطائرات التي تحلق على ارتفاع منخفض في أجواء مزدحمة، والتمييز بين الصديقة والمعادية، وتسريع دورة الاستجابة – أصبحت واقعًا يفرض نفسه على أمن القارة.

وتُشير هذه التطورات إلى انتقال التهديد من ساحات القتال إلى قلب المدن الأوروبية، في وقت تتسارع ثورة الأنظمة الذاتية التي غيرت مفاهيم الدفاع التقليدية؛ فالطائرات المسيرة الصغيرة والرخيصة باتت تمثل تحديًا معقدًا للبنية التحتية المدنية والعسكرية على السواء.

من خبرة الميدان إلى الهيمنة الصناعية

استفادت إسرائيل من عقود من الصراع لتصبح دولة رائدة في تطوير واختبار أنظمة الدفاع والهجوم بالطائرات المسيرة؛ فالتجربة العملياتية المتراكمة من مواجهات مع إيران وحزب الله وحماس، دفعت الصناعة العسكرية الإسرائيلية إلى ابتكار تقنيات متقدمة للكشف، والتشويش، والاعتراض.

تُعد شركات "رافائيل" و"إلبيت سيستمز" و"إسرائيل لصناعات الطيران والفضاء" ركائز هذا التفوق. فقد طورت أنظمة رادارية مثل DAiR القادر على رصد مئات الأهداف الجوية بدقة عالية، ونظام Green Lotus المتكامل الذي يجمع بين الاستشعار الراداري والبصري والاتصالات لاكتشاف الطائرات المسيرة وتعقبها. 

أخبار ذات علاقة

المسيرة الأمريكية الجديدة

بقدرات خارقة.. أمريكا تكشف عن مسيرة فتاكة لمنافسة روسيا والصين (فيديو)

أما نظام "قبة الطائرات المسيرة" من رافائيل فيجمع بين التشويش الإلكتروني والليزر عالي الطاقة لتحييد الأهداف في الجو.

إلى جانب هذه الشركات العملاقة، أسهمت الشركات الناشئة في دعم القدرات الإسرائيلية عبر حلول أكثر تخصصًا. فشركة D-Fend Solutions، مثلًا، تقدم نظام "EnforceAir" القادر على السيطرة السيبرانية على الطائرات المعادية، بينما تطور XTEND واجهات تشغيل معززة بالواقع الافتراضي لتوجيه الطائرات المسيرة في البيئات المعقدة. 

هذا التداخل بين الصناعات الكبرى والمبتكرين الصغار جعل إسرائيل بيئة إنتاج واختبار فريدة تُعرف عالميًا بأنها "مختبر الطائرات المسيرة الحيّ".

تشير تقارير مؤسسات بحثية كـ Frost & Sullivan وEDAM إلى أن إسرائيل تقود سوق أنظمة الدفاع الجوي المضادة للطائرات المُسيّرة (C-UAS) في الشرق الأوسط والعالم، مستفيدة من واقعها الأمني المتوتر ومن استثماراتها المبكرة في الرادارات والتشويش الإلكتروني.

أوروبا بين الانتقاد والتبني

رغم الانتقادات السياسية الأوروبية المستمرة للعمليات الإسرائيلية في غزة، فإن الحكومات الأوروبية تجد نفسها مضطرة للاعتماد على التكنولوجيا الإسرائيلية في حماية أمنها الداخلي. 

فقد تعاقدت مطارات أوروبية ومنشآت حكومية مع شركات إسرائيلية لتوفير أنظمة سيطرة وكشف إلكترونية، فيما اشترت وزارات الدفاع أنظمة متطورة لمكافحة الطائرات المسيرة.

أخبار ذات علاقة

ردع روسي

100 ضعف من قنبلة "هيروشيما".. ماذا نعرف عن مسيرة "بوسيدون" الروسية؟

واشترت ألمانيا مثلًا ثلاث طائرات "هيرون" بقيمة تقارب مليار يورو لتوسيع قدراتها الاستخباراتية، رغم الجدل السياسي الداخلي. 

وفي إطار مشروع مشترك بين لندن وتل أبيب، ستتسلم رومانيا سبعة أنظمة "واتش كيبر إكس" في عام 2026، بينما تعاونت شركة "راينميتال" الألمانية مع "UVision" الإسرائيلية لتصنيع ذخائر Hero المتسكعة داخل أوروبا.

كما تنشر دول صغيرة مثل إستونيا والتشيك أنظمة رادار إسرائيلية لحماية أجوائها، وتشارك شركات إسرائيلية في مشاريع أمنية للاتحاد الأوروبي عبر إنتاج مكونات رادار AESA مع شركاء أوروبيين.

هذا التوجه يكشف مفارقة واضحة: فبينما ترتفع الأصوات المنتقدة لسياسات إسرائيل، تتوسع في الوقت ذاته شراكاتها الدفاعية داخل أوروبا. 

ويبرر المسؤولون الأوروبيون ذلك بواقعية براغماتية، إذ كما قال أحد الخبراء الإسرائيليين: "عندما تحتاج حكومة إلى حماية نفسها، فإنها ستحمي نفسها. لن ترفض نظامًا فعالًا فقط لأنه إسرائيلي".

تكشف موجة الاعتماد الأوروبي على التكنولوجيا الإسرائيلية المضادة للطائرات المسيرة عن تحوّل استراتيجي في التفكير الأمني الأوروبي.

فبينما كانت إسرائيل لعقود تُعتبر مختبرًا ميدانيًا لتقنيات الحرب، باتت اليوم مُصدّرًا رئيسيًا للخبرة والتكنولوجيا إلى دول تعتبر نفسها في طليعة الديمقراطيات الغربية.

إن ما بدأ كحلٍّ تقني لمشكلات أمنية إسرائيلية داخلية أصبح الآن نموذجًا عالميًا للتكيف مع التهديدات الجوية غير التقليدية. 

ومع استمرار الحروب في أوكرانيا وغزة، يبدو أن التجربة الإسرائيلية في التعامل مع الطائرات دون طيار لن تبقى مجرد خبرة محلية، بل ستشكل العمود الفقري للدفاعات الجوية الأوروبية في العقد المقبل.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC