لم يعد التفوق الأمريكي في الطائرات الشبحية مجرد إنجاز هندسي، بل أصبح أحد أهم الأسس التي تحافظ على الهيمنة الجوية والسياسية للولايات المتحدة في عالم يتَّسم بتعدد الأقطاب وصعود منافسين يسعون لتعزيز قدراتهم الجوية دون التمكن من الوصول إلى مستوى الشبحية الحقيقية.
وفقًا لمصادر متخصصة تحدثت إلى "ناشيونال سيكيوريتي جورنال"، فإن كثيرا من الدول تصِف مقاتلاتها الحديثة بأنها "شبحية"، لكن الواقع يقول إن معظمها يقتصر على "إدارة توقيع الرادار" فقط، دون بلوغ معايير الشبحية الحقيقية التي تُحقِّقُها الولايات المتحدة منذ عقود.
وذكرت المصادر أن هذه الطائرات قد تبدو شبحية للوهلة الأولى، لكنها أكثر وضوحا على الرادار مقارنةً بالطائرات الأمريكية مثل "إف-35" أو النماذج المستقبلية في برنامج "الجيل القادم من مقاتلات السيادة الجوية".
ويكشف مراقبون أن سر هذه الهيمنة الأمريكية يعود إلى سنواتٍ طويلة من الابتكار الدؤوب في مجال هندسة الطائرات، ابتداءً من مشروع "هاف بلو" الذي أطلقته "لوكهيد مارتن" وتمخّض عن المقاتلة "إف-117 إيه نايت هوك"، وصولًا إلى "إف-35 نايتينيغ II"، والطائرات المستقبلية ضمن برنامج "الجيل القادم من مقاتلات السيادة الجوية" (NGAD)، والمقرر أن يقدم أول نموذج للمقاتلة "إف-47" التي تعِد بتقنيات تخفٍّ تتجاوز كل ما عرفته الطائرات الشبحية حتى الآن.
وبحسب خبراء هندسيين، فإن الأساس الهندسي للشبحية يكمن في تصميم الأسطح بشكلٍ محدب وتجنُّب الانعكاسات، وتحجيم الفتحات والتحكم الدقيق في اللحامات، وكما أوضح خبراء أمريكيون، فإن أي تصميم يحتوي على أسطح أمامية متحركة أو وصلات غير دقيقة سيزيد من إمكانية الظهور على الرادار بشكلٍ كبير، مهما ادَّعى المصنعون المنافسون عكس ذلك.
وفي السياق ذاته، لا تقتصر التطورات الحالية على الشكل الخارجي للطائرة فقط؛ فالطراز القادم من مقاتلات "إف-47 من الجيل القادم للسيادة الجوية" سيتجاوز مفاهيم الشبحية التقليدية؛ إذ ستأخذ دقة اللحامات بين أجزاء الهيكل أهميةً قصوى، ليس لتجنب الانعكاسات فحسب، بل لضمان مستوياتٍ غير مسبوقة من البقاء في مواجهة أنظمة الدفاع الجوي المعقدة.
ويعتقد مراقبون مطّلعون أن الولايات المتحدة عبر هذه التكنولوجيا رسخت معيارا عالميا للشبحية لا يمكن تجاوزه بسهولة؛ فالنماذج التي تقدمها دول أخرى قد تقلل من "توقيع الرادار" إلى حدٍّ ما، لكنها لا تصل إلى المستوى الذي يصنع فرقا استراتيجيا في ساحات المعارك المستقبلية، كما توضح المصادر الأمريكية.
وبدءا من "إس آر- 71 بلاك بيرد" وصولا إلى "إف-117 إيه" و"إف-35"، وحتى مقاتلات "إف-47 للجيل القادم من السيادة الجوية"، يظهر جليا كيف استثمرت واشنطن الهندسة المتقدمة والمواد الخاصة وبرامج التطوير طويلة الأمد لبناء "جدارٍ غير مرئي" في السماء، يضمن لها التفوق والقدرة على المناورة في مواجهة أيّ تهديد، حتى في أجواء مليئة بالتحديات والتنافس العالمي.
وباختصار، فإن التفوق الجوي الأمريكي ليس مجرد قوة في السماء، بل هو امتداد لاستراتيجية سياسية وعسكرية متكاملة، قائمة على احتكار التقنيات الشبحية التي لم يستطع أحدٌ خارج الولايات المتحدة مضاهاتها؛ ما يجعل من السماء الأمريكية حلبة تفوقٍ لا يُمكن لأيّ منافسٍ تجاوزها بسهولة.