بينما تعهّدت 26 دولة، معظمها أوروبية، بالمشاركة في "قوة طمأنة" لدعم وقف إطلاق نار مستقبلي بين روسيا وأوكرانيا، إلا أن هذا التحرك يكشف عن ضعف يؤكد "هشاشة الموقف الأوروبي" في مواجهة الكرملين.
وتُصر أوروبا على تقديم ضمانات أمنية لأوكرانيا، لكن الولايات المتحدة، تحت قيادة دونالد ترامب، تتولَّى دور الوسيط الوحيد في هذا الصراع، مما يثير تساؤلات حول فاعلية ما عُرف بـ "تحالف الراغبين" وما إذا كان مجرد تحالف للمستضعفين، وفق وصف صحيفة "لو فيغارو" الفرنسية.
وبحسب الصحيفة، فقد دفعت أوكرانيا تاريخياً ثمناً باهظاً لتخليها عن ترسانتها النووية، العام 1994، بموجب بروتوكول بودابست، مقابل ضمانات أمنية من الدول الخمس الدائمة في مجلس الأمن.
لكن هذه الضمانات، كما أشار الوزير الفرنسي السابق بيير لولوش، كانت مجرد وعود فارغة، فبعد 20 عاماً، أثبت ضم روسيا للقرم، وبدء حرب دونباس، أن تلك الضمانات لم تكن سوى كلمات على ورق.
ومع استمرار الحرب، وتجدد المطالبات بوقف إطلاق نار، تعود مسألة الضمانات الأمنية إلى صدارة النقاش، إذ يطالب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بضمانات متينة لضمان سلام دائم، لكن تعقيدات الوضع السياسي والعسكري تجعل تحقيق ذلك شبه مستحيل.
ومن الناحية النظرية، يُعد انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو الحل الأمثل، حيث يوفر حماية المادة الخامسة، لكن روسيا تعتبر هذا الخيار ذريعة للحرب، كما أدرك الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، والمستشارة الألمانية السابقة، أنجيلا ميركل، في قمة بوخارست 2008.
أما الولايات المتحدة، التي دعمت توسع الناتو في الماضي، فقد أبدى قادة مثل باراك أوباما، وجو بايدن، وحتى الرئيس الحالي، دونلد ترامب معارضة واضحة لهذا الخيار، خوفاً من صراع نووي.
وتشير "لوفيغارو" إلى أن ترامب، على وجه الخصوص، يرفض إرسال أي جندي أمريكي إلى أوكرانيا، حتى في سياق اتفاق سلام، مما يدفع الأوروبيين للبحث عن بديل.
هنا برزت فكرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بنشر قوات أوروبية في أوكرانيا، ففي فبراير 2024، وبعد فشل الهجوم الأوكراني المضاد، اقترح ماكرون نشر قوات فرنسية وأوروبية، لكن الفكرة واجهت معارضة من واشنطن وبرلين.
ويرى بعض المسؤولين، مثل الأمين العام لحلف الناتو مارك روته، أن انتظار موافقة روسيا على مثل هذه الخطوة غير مجدٍ، وأن التدخل الأوروبي قد يسرّع السلام.
لكن هذا الموقف يتجاهل المخاطر العملية، إذ قد يؤدي نشر قوات أوروبية إلى مواجهة مباشرة مع روسيا، مما يجر الناتو إلى حرب شاملة.
والخيار البديل، كما طرحه ماكرون في قمة باريس في سبتمبر 2025، هو نشر قوات أوروبية بعد توقيع اتفاق سلام، لكن هذا الاقتراح يواجه عقبتين رئيستين: أولاً، رفض روسيا لوجود قوات الناتو في أوكرانيا، حيث يرى بوتين أن ذلك يتعارض مع أهداف الحرب. ثانيًا، غياب دعم أمريكي فعّال.
وترامب، الذي يعتبر الشأن الأوكراني "شأنًا أوروبيًا"، يبدي استعداداً محدودًا للتعاون، لكن بدون دعم لوجستي واستخباراتي أمريكي، تصبح الوحدات الأوروبية (15,000 إلى 20,000 جندي) غير كافية لتغطية جبهة تمتد لـ1200 كيلومتر.
كما يواجه المشروع معارضة داخلية في أوروبا، ففي ألمانيا، يشترط المستشار ميرتس موافقة الأمريكيين والروس والبوندستاغ، وهو أمر مستبعد بسبب معارضة الحزب الاشتراكي الديمقراطي.
أما إيطاليا وبولندا فتستبعدان أي مشاركة عسكرية، بينما يعاني ماكرون من أزمة سياسية داخلية تعيق قدرته على قيادة هذا التحالف.