تشهد الساحة الإنسانية العالمية تصاعدًا مقلقًا للأزمات، بينما تزداد ميزانيات الأسلحة وتتقلص الموارد المخصصة للمساعدات.
فقد أطلق الصليب الأحمر والهلال الأحمر هذا العام 42 نداءً طارئًا حول العالم، لكن التمويل لا يتجاوز 20%، ما يضع عمليات الإغاثة طويلة الأمد في مأزق حاد.
في المقابل، سجّل مصنعو الأسلحة أفضل أعوامهم على الإطلاق، مستفيدين من أكبر الحروب في أوروبا والشرق الأوسط منذ عقود، إضافة إلى مخاوف الأمن التي تدفع الدول نحو التسلح المكثف، بحسب "نيوزويك".
يقول العاملون في المجال الإنساني إن العالم يواجه "عاصفة مثالية" تتجسد في تزايد الصراعات وندرة الموارد للتعامل معها.
وأكدت كارولين هولت، مديرة قسم الكوارث والمناخ والأزمات في الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، للمجلة الأمريكية: "لقد أصبح من المقبول الآن القول إنك ستخفض دعم الفئات الأكثر ضعفًا للاستثمار في الأسلحة والقنابل. كلما أعطت الحكومات الأولوية للأجندة الأمنية، كلما زاد النزوح والمآسي الإنسانية".
وتتجلى هذه الأزمة في أوكرانيا، أكبر حرب في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، حيث يواجه المدنيون والجيش الأوكراني تداعيات التصعيد الروسي المستمر.
وفي الوقت نفسه، تستمر النزاعات والحروب في غزة، السودان، واليمن، والقرن الإفريقي، ومنطقة البحيرات الكبرى والساحل، فضلًا عن تصاعد التوترات بين باكستان والهند، والصراع المستمر في ميانمار وجنوب شرق آسيا؛ فهذه التداخلات المتزامنة تجعل المجتمعات عاجزة عن التعافي قبل وقوع الأزمة التالية.
على عكس القطاع الإنساني، يشهد صناعة الأسلحة ازدهارًا غير مسبوق.
ووفقًا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، ارتفعت الإيرادات الإجمالية لمصنعي الأسلحة بنسبة 6% تقريبًا العام الماضي، في أعلى مستوى على الإطلاق.
وتعمل ساحات المعارك بمثابة مختبرات لاختبار التقنيات الحديثة، بما فيها الذكاء الاصطناعي، الذي يعزز قدرات التسلح لكنه يضاعف المخاطر إذا وقع في أيدي غير حكومية.
وتقول كومفورت إيرو، الرئيسة التنفيذية لمجموعة الأزمات الدولية: "إذا وضعت هذه التقنيات في أيدي بعض الناشطين غير الحكوميين والدول، عندها تبدأ المشاكل بالظهور".
ترافق هذه الديناميات انخفاض ميزانيات المساعدات التنموية، التي لطالما اعتبرت أداة لمنع الصراع ومكافحة الفقر؛ فقد تراجع الدعم الغربي حتى قبل أن يُفكك ترامب الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، ما أثر على ملايين المستفيدين من برامج التعليم والصحة والزراعة.
وسط هذا الانكماش في التمويل الغربي، بدأت جهات مانحة جديدة، تتصدر المشهد الإنساني، مستفيدة من ثروتها الغازية لنشر نفوذها الدبلوماسي في الشرق الأوسط وخارجه.
كما استغلت الصين الفراغ الذي خلفه تراجع الغرب، عبر تقديم المساعدات وتنفيذ مشاريع ضخمة للبنية التحتية ضمن مبادرة "الحزام والطريق"، ما منحها دورًا متزايدًا في قيادة جزء من العمليات الإنسانية العالمية.
وأوضح هنري هويياو وانغ، مؤسس مركز الصين والعولمة: "عندما تتخلى السلطة القائمة عن المنافع العامة، ولا تستطيع السلطة الصاعدة توفيرها بالسرعة الكافية، قد تنشأ فجوة بينهما. وتتولى الصين الآن بعضًا من هذه القيادة".
تشير هذه المؤشرات إلى تحول جذري في أولويات الحكومات العالمية: من التركيز على الحماية الاجتماعية والمساعدات الإنسانية نحو الاستثمار في الأسلحة والتسلح.
هذا التحول، بحسب خبراء، يزيد من هشاشة المجتمعات المتأثرة بالنزاعات ويجعل التعافي بعد الكوارث أكثر صعوبة، بينما تستفيد صناعات الدفاع والابتكار التكنولوجي العسكري من الطلب المتزايد.
وبينما يحاول المانحون الجدد سد الفجوة، يبقى التحدي الأساسي هو إيجاد توازن بين الأمن والتطور الاقتصادي، وبين الإنفاق العسكري وحماية الأرواح، لضمان ألا تتحول الحروب الحديثة إلى أزمات إنسانية مستمرة بلا نهاية.