يبدأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، اليوم الاثنين، أول تحرك مباشر له لكسر الجمود في الحرب الروسية الأوكرانية، بإجراء مكالمتين منفصلتين مع كل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وسط تصاعد التوترات داخل أروقة محادثات تركيا التي شهدت شكوى أوكرانية من فرض موسكو "شروطًا جديدة وصادمة".
وفي منشور عبر منصة "تروث سوشيال"، قال الرئيس دونالد ترامب: "نأمل أن يكون اليوم مثمرًا، وأتوقع وقف إطلاق نار قريب، ونهاية لهذه الحرب العنيفة التي ما كان يجب أن تبدأ أصلًا".
وتزامنًا مع التحركات الأمريكية، كشفت مصادر مطلعة في أنقرة لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية أن المفاوضين الروس قدموا حزمة شروط جديدة أثارت غضب الوفد الأوكراني، واعتُبرت بمثابة تصعيد دبلوماسي مفاجئ.
وشملت الشروط الروسية: انسحابًا أوكرانيًّا كاملًا من المقاطعات الأربع، والاعتراف الرسمي بضم شبه جزيرة القرم، والحياد الأوكراني، ومنع وجود أي قوات أو قواعد أجنبية على أراضيها، ووقف المطالبات بالتعويضات المتبادلة.
وبحسب المصادر، عبّرت كييف عن رفضها لِما وصفته بالإملاءات الروسية، مؤكدة أن هذه الشروط تمثل تراجعًا كبيرًا عن الأجواء التمهيدية التي سبقت المحادثات.
وبينما لم تؤكد موسكو أو كييف تفاصيل ما سيجري خلال الاتصال، رجّحت مصادر أمريكية أن ترامب يسعى لترتيب لقاء مباشر بين بوتين وزيلينسكي في إسطنبول، لكن نجاح هذا المسعى يعتمد على تجاوب الطرفين مع اقتراح أمريكي بوقف فوري لإطلاق النار كبداية لمسار تفاوضي جديد.
أكد الخبراء أن اتصال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المرتقب اليوم بكلٍّ من الرئيس بوتين وزيلينسكي يمثل محاولة لكسر الجمود في محادثات تركيا، التي شهدت شكوى أوكرانية من فرض موسكو شروطًا أكثر تشددًا.
وأضاف الخبراء في تصريحات خاصة لـ«إرم نيوز» أن الشروط الروسية التي أُعيد طرحها تشمل: «حياد أوكرانيا، انسحابًا كاملًا من المقاطعات الأربع، إسقاط المطالب بالتعويضات، وضمانات لحقوق الناطقين بالروسية»، وهي شروط تُصاغ الآن بصيغة نهائية غير قابلة للتفاوض.
وأوضح الخبراء أنه رغم العلاقة الشخصية القوية بين ترامب وبوتين، إلا أن فرص نجاح ترامب في جمع الطرفين تبقى مرتبطة بمدى استعداده للضغط على زيلينسكي، وإقناع موسكو بأن التهدئة لا تعني التراجع عن مكاسبها.
مفاتيح شخصية ترامب
قال آصف ملحم، مدير مركز "جي إس إم" للدراسات، إن فهم العلاقة بين ترامب وبوتين يتطلب التمييز بين ثلاثة مستويات: أولًا_ العلاقة الشخصية بينهما، ثانيًا_ العلاقة بين روسيا والولايات المتحدة كدولتين، وثالثًا_ العلاقة بين روسيا والدول الأوروبية الساعية لاستمرار الصراع.
وأضاف ملحم لـ"إرم نيوز" أن بوتين يدرك مفاتيح شخصية ترامب، ويحرص على عدم إيصال العلاقة معه إلى طريق مسدود، خصوصًا في اللحظات التي قد يُحرج فيها ترامب أمام الرأي العام العالمي؛ ولذلك، يقدم بوتين أحيانًا تنازلات شكلية تمكّن ترامب من الظهور بموقف قوي أمام الداخل الأمريكي.
آلية روسية
وأوضح أن الرئيس الروسي استخدم هذه الآلية قبل مفاوضات إسطنبول، حيث يُرجّح أنه جرى تواصل بين الطرفين، في وقت كان فيه ترامب منشغلًا بجولة في الخليج العربي، وأن اختيار يوم 15 للمفاوضات ربما جاء بطلب من بوتين لتفادي إحراج متبادل بينه وبين ترامب.
ولفت مدير مركز «جي إس إم» للدراسات إلى أن إرضاء ترامب لا يتطلب الكثير، فهو لا يُحمّل نفسه مسؤولية الأزمة، بل يرى أنها نتيجة قرارات إدارة بايدن، خاصة أن بوتين قدَّم له عروضًا استثمارية، مثل: التعاون في قطاع المعادن النادرة، في محاولة لجذب اهتمامه.
وأشار إلى أن روسيا ثابتة على شروطها في المفاوضات، وهي: "حياد أوكرانيا، انسحابٌ كامل من المقاطعات الأربع، إسقاط المطالب بالتعويضات، وضمانات لحقوق الناطقين بالروسية".
واعتبر آصف ملحم أن أي هدنة مقترحة، مثل هدنة البحر الأسود التي سبقت اتصالًا هاتفيًّا بين ترامب وبوتين، تدخل في إطار المناورة السياسية التي يتقنها بوتين، مشيرًا إلى أن ترامب يفتقد التفاصيل الفنية، كونه رجل صفقات وليس سياسيًّا محترفًا.
واختتم ملحم بالقول، إن القيادة الروسية تدرك أن العقوبات لم تعد فعالة، وأن الدعم العسكري الغربي لأوكرانيا لم يعد مجديًا، خاصة بعد أن أصبح عدد قوات الجيش الروسي ضعف عدد القوات الأوكرانية، التي فقدت كثيرًا من قوتها، ولا سيما بعد هزيمتها في خيرسون.
رفع العلم الأوكراني
من جانبه، قال د. محمود الأفندي، المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية، إن الرسالة الروسية في مفاوضات إسطنبول كانت واضحة، وهي: إمّا أن ترفع أوكرانيا العلم الأبيض، وإمّا تُدمر الدولة الأوكرانية بالكامل.
وأوضح الأفندي لـ"إرم نيوز" أن ضم روسيا لأربع مناطق قد يتوسع ليشمل ستًّا أو أكثر، إذا لم يتم التوصل إلى تسوية، محذرًا من أن استمرار الحرب قد يودي إلى اختفاء أوكرانيا من الخريطة السياسية.
وأضاف المحلل السياسي أن على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الضغط على زيلينسكي والأوروبيين لإنهاء الحرب، مشيرًا إلى أن موسكو لا تريد تسوية مع حكومة يعتبرها بوتين "نازية"، ولا يمكن الوثوق بها بعد فشل اتفاقية مينسك.
وأشار إلى أن انهيار الخطوط الأمامية في المعارك الأخيرة قد يدفع الصراع نحو حرب شوارع؛ ما يعني دمارًا شاملًا لكييف.
وأكد د. محمود الأفندي أن روسيا تطالب بانسحاب القوات الأوكرانية من المناطق الأربع التي أعلنت ضمها، رغم أن نحو 30% منها لا تزال تحت سيطرة الجيش الأوكراني.
ولفت إلى أن موسكو تعتبر خاركيف وأوديسا ودنيبرو مناطق روسية تاريخيًّا، وقد تسعى للسيطرة الكاملة عليها، مشددًا على أن الموقف الروسي لا يزال قائمًا على خيارين فقط: الاستسلام أو التقسيم.