قالت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية، إنه بعد مرور خمسة وستين عاماً على ثورة عام 1959، تظل كوبا جزيرة للمظاهر الخادعة، فهي جنة غريبة للزوار، موضحة أن الواجهات الاستعمارية لهافانا تخفي واقعاً اقتصادياً واجتماعياً كارثياً.
كارلوس سالجادو، ميكانيكي كوبي، يصلح في ورشته دراجات هارلي ديفيدسون التي يعود تاريخها إلى حقبة ما قبل الثورة. بسبب الحظر الأمريكي، لا يستطيع الحصول على قطع الغيار، فيقوم بتصنيعها بنفسه باستخدام آلات قديمة.
وتُعد ورشة عمله ملاذاً لعشاق الدراجات النارية الأمريكيين، مما يعكس التناقض الكوبي حيث تتعايش معاداة أمريكا مع عبادة أيقونات الثقافة الأمريكية، فيما يجسد إرنستو جيفارا، ابن تشي الشهير، هذه الازدواجية. فهو بالأساس محامٍ، إلا أنه أسس في عام 2014 وكالة سفر "La Poderosa"، التي سميت على اسم الدراجة النارية الشهيرة لوالده.
ويقدم إرنستو جولات لمشاهدة معالم المدينة في جميع أنحاء الجزيرة على دراجات هارلي ديفيدسون، مما يسمح لسائقي الدراجات النارية من جميع أنحاء العالم باكتشاف مواقع الملحمة الثورية.
وأكدت الصحيفة، أنه خلف سحر دراجات هارلي والصورة الرومانسية للماضي الثوري، يعيش الكوبيون حياة يومية تتسم بالفقر. فشوارع هافانا، بعيداً عن المسار السياحي، مليئة بالنفايات.
ويصطف السكان لساعات طويلة للحصول على الضروريات الأساسية، كما شاع انقطاع التيار الكهربائي، حيث أصبح نظام الحصص الغذائية المعمول به منذ عام 1962 رمزاً لتدهور البلاد.
وأوضحت أنه أمام هذا الواقع، أصبحت الهجرة الجماعية هائلة، بين عامي 2021 و2023، غادر ما يقرب من 425 ألف كوبي بلادهم، وغالباً ما سلكوا طرقاً محفوفة بالمخاطر إلى الولايات المتحدة أو لجأوا إلى إسبانيا، وتزيد هجرة الشباب والمهنيين المؤهلين من استنفاد الإمكانات الاقتصادية والبشرية لكوبا.
وتطرقت "لوفيغارو" إلى النظام الصحي، الذي كان في يوم من الأيام فخراً وطنياً، لكنه الآن في حالة خراب على الرغم من التدريب السنوي لآلاف الأطباء، تعاني المستشفيات من نقص حاد في الإمدادات الطبية.
وعلى الرغم من أن البعثات الطبية الدولية تجلب مليارات الدولارات للدولة، إلا أنها تتعرض لانتقادات من قبل المنظمات غير الحكومية مثل هيومن رايتس ووتش، التي تصفها بالعبودية الحديثة.
ولفتت الصحيفة إلى أن الوضع الاقتصادي يتفاقم بسبب الحصار الأميركي، الأطول في التاريخ المعاصر، المطبق منذ أكثر من 60 عاماً.
وعلى أمل تنشيط وتحفيز الاقتصاد، سمحت الحكومة الكوبية بإنشاء مؤسسات خاصة صغيرة، يعمل الآن ما يقرب من 600 ألف كوبي لحسابهم الخاص، ويحولون براعتهم إلى أنشطة مربحة على الرغم من العقبات البيروقراطية.
وختمت الصحيفة بالقول، إن كوبا تمر بنقطة تحول حرجة، حيث تحول الزخم الثوري إلى دكتاتورية منهكة، إن شعار "الحرية أو الموت"، الذي كان يرمز ذات يوم إلى التفاؤل والتصميم الثوريين، أصبح اليوم صرخة يأس لشعب يسعى إلى البقاء والكرامة.