logo
العالم
خاص

طوكيو في صدمة.. واشنطن تقدم تايوان "رهينة" لصفقة تجارية مع الصين

دونالد ترامب مع ساناي تاكايتشي المصدر: غيتي إيمجز

كشفت التطورات الأخيرة بين واشنطن وطوكيو وبكين عن مرحلة دقيقة من إعادة ضبط التوازنات الإقليمية في شرق آسيا، في ظل تصاعد التوترات حول تايوان.

وبحسب معلومات أكدتها مصادر في طوكيو لـ"إرم نيوز"، فقد طلب ترامب من تاكايتشي "ضبط النبرة" وعدم الذهاب نحو خطوات تعتبرها واشنطن غير ضرورية في المرحلة الحالية، لكنه لم يطلب منها التراجع عن مضمون كلامها. 

هذا التفصيل كان محور نقاش داخل الدوائر الدبلوماسية اليابانية، لأنه يعكس رغبة أمريكية في تجنّب التصعيد من دون تقديم موقف واضح حول مستقبل الالتزامات الأمنية.

وتقول مصادر دبلوماسية يابانية تحدثت لـ"إرم نيوز" إن طوكيو تنظر بجدية إلى احتمال أن تكون واشنطن بصدد إعادة ترتيب أولوياتها في شرق آسيا، وتضيف هذه المصادر أن طوكيو تلقت إشارات، خلال الأسابيع الماضية، تفيد بأن الإدارة الأمريكية لا ترغب في أي صدام مع الصين قبل الانتهاء من المفاوضات التجارية الجارية.

التحفظ الأمريكي

وتشير المصادر إلى أن تصريحات تاكايتشي تأتي ضمن نقاش داخلي حول تعزيز قدرات الردع اليابانية في ضوء التطورات المتعلقة بتايوان، إلا أن الاتصال مع ترامب أعاد إلى السطح سؤالاً أقل تداولاً في العلن حول استطاعة اليابان الاعتماد على دعم أمريكي ثابت في حال تطورت الأزمة حول تايوان.

وتؤكد المصادر أن طوكيو تخشى من أن تتعامل بكين مع هذا التحفّظ الأمريكي باعتباره مؤشراً على وجود مساحة لمزيد من الضغط السياسي على طوكيو.

أخبار ذات علاقة

المتحدث باسم وزارة الدفاع الصينية، جيانغ بين

الصين تتوعد اليابان إذا تجاوزت "الخط الأحمر" بشأن تايوان

توازنات جديدة

على الجانب الآخر، ذكرت مصادر دبلوماسية صينية لـ"إرم نيوز" أن بكين تتابع بدقة ما تعتبره "تراجعاً في النبرة الأمريكية التقليدية" في الملف الياباني–الصيني. 

وتوضح هذه المصادر أن المكالمة بين ترامب والرئيس شي جين بينغ قبل اتصال ترامب بتاكايتشي جاءت في سياق تعمل خلاله الصين على تثبيت رؤيتها بشأن تايوان، بما في ذلك الحديث عن "عودة الجزيرة" كجزء من بنية النظام الدولي الذي تراه بكين مناسباً لموقعها الحالي.

وتضيف هذه المصادر أن المسؤولين  الصينيين لاحظوا أن واشنطن امتنعت عن إصدار أي موقف واضح يعكس اعتراضاً على الإجراءات الصينية الأخيرة أو على ردودها تجاه تصريحات تاكايتشي. 

وترى بكين أن هذا الصمت يخدم المفاوضات التجارية، لكنه في الوقت نفسه يعكس رغبة أمريكية في تجنّب اتخاذ موقف يمكن أن يؤثر على التفاهمات الاقتصادية.

وفي الوقت نفسه، تقول المصادر إن بكين لا تنظر إلى الاتصال بين ترامب وتاكايتشي باعتباره تحولاً دراماتيكياً، لكنها تعتبره "فرصة" لتوضيح موقفها وتكثيف خطابها الإعلامي والسياسي تجاه اليابان.

موقف أمريكي متوازن

من جهته، قال مصدر دبلوماسي أمريكي مطّلع لـ"إرم نيوز" إن الإدارة الأمريكية تتعامل مع الملف بحساسية عالية، مشيراً إلى أن الاتصال بين الرئيس دونالد ترامب ورئيسة الوزراء اليابانية ساناي تاكايتشي جاء في إطار متابعة التطورات المتسارعة حول تايوان والتوتر بين اليابان والصين، وليس بهدف إعادة صياغة الموقف الأمريكي التقليدي.

وأوضح المصدر أن واشنطن "تدرك تماماً حجم القلق في طوكيو بعد التصريحات الأخيرة ورد الفعل الصيني"، لكنه شدّد في الوقت نفسه على أن الإدارة الأمريكية لا تريد أن يُفهم أي موقف يصدر عنها على أنه تشجيع لطرف أو ضغط على آخر. 

أخبار ذات علاقة

مدمرة أمريكية في مضيق تايوان

اليابان في قلب العاصفة.. كيف تعيد تايوان رسم معادلات الأمن الإقليمي؟

تجنب الاحتكاكات

وأضاف أن الرسالة الأساسية التي نقلها ترامب كانت "الدعوة إلى تجنّب أي خطوات قد تخلق احتكاكاً غير ضروري في المرحلة الحالية"، لافتاً إلى أن واشنطن "تتابع بدقة ردود الفعل المتبادلة، بما فيها التحركات الإعلامية والسياسية الصينية".

وأشار المصدر إلى أن المكالمة التي سبقت اتصال ترامب بتاكايتشي مع الرئيس الصيني شي جين بينغ "تعلّقت بشكل أساسي بالمسار التجاري والملفات الاقتصادية"، موضحاً أن الإدارة الأمريكية "لا تعتبر أي تصريحات صينية حول مستقبل الجزيرة جزءاً من تفاهمات سياسية، بل تراها ضمن الخطاب الصيني المعتاد في هذا الملف".

وأضاف أن واشنطن لا ترى مؤشرات على نية صينية للذهاب نحو خطوات عسكرية أو ميدانية، لكنها ترصد ارتفاعاً في حدّة الخطاب بعد تصريحات تاكايتشي، مشيراً إلى أن التعاون الأمني الأمريكي–الياباني "مستمر ضمن مستوياته التقليدية من دون تغييرات".

وختم المصدر بأن الإدارة الأمريكية تفضل الإبقاء على قنوات التواصل مفتوحة مع الطرفين، وأنها لن تدخل في سجالات علنية حول التصريحات المتعلقة بتايوان في هذه المرحلة، مؤكداً أن واشنطن "تعتبر الاستقرار الإقليمي أولوية، وتتعامل مع التطورات بحسابات دقيقة لا تتعارض مع التزاماتها تجاه حلفائها".

أخبار ذات علاقة

الرئيس التايواني أمام جنود خلال مناورات صينية سابقة

تستنسخ "القبة الحديدية".. تايوان تعد خطة بـ40 مليار دولار لردع الصين

محاولات تهدئة مع الصين

ويرى محللون أن مكالمات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع رئيسة الوزراء اليابانية ساناي تاكايتشي محاولة أمريكية للتهدئة ومنع أي تصعيد غير ضروري، مع الحفاظ على القدرة على إدارة الملف التجاري والسياسي مع الصين. 

ويشيرون إلى أن هذه الديناميكية تبرز هشاشة فهم النوايا المتبادلة بين الأطراف الثلاثة، وتطرح تساؤلات حول مدى اعتماد  اليابان على الدعم الأمريكي في مواجهة التحركات الصينية. 

إعادة الضبط في شرق آسيا

ويعلق الباحث في السياسة الخارجية الأمريكية، إيثان ويلسون، على ذلك قائلاً إن ما يجري، حالياً، بين واشنطن وطوكيو وبكين عبارة عن مرحلة إعادة ضبط، موضحاً أن الإدارة الأمريكية تتعامل مع المسار الآسيوي وفق منهج "إدارة التوتر" وليس "حسم التوتر". 

ورأى ويلسون في حديث لـ"إرم نيوز" أن الاتصال بين ترامب وتاكايتشي يعكس رغبة أمريكية واضحة في منع أي خطوة يابانية يمكن أن تُفسَّر في بكين كتحول في قواعد الاشتباك التقليدية حول تايوان.

وأضاف أن واشنطن، من خلال صياغة موقفها بهذه الطريقة، تحاول الحفاظ على قدرتها على الحركة في الملف التجاري مع الصين، من دون إرسال رسائل سلبية إلى اليابان. وبرأيه، فإن المشكلة ليست في مضمون الاتصال، بل في "التوقيت الذي جاء فيه"، إذ يُقرأ في طوكيو على أنه تخفيف في حدّة الالتزام الأمريكي، بينما تراه بكين فرصة لإعادة التموضع في الخطاب.

ورجح أن المسار الحالي "قد يستمر لأسابيع" مع استمرار المفاوضات التجارية، لكنه لا يتوقع أن تتحول واشنطن إلى وسيط بين اليابان والصين"، موضحاً أن "الولايات المتحدة ليست بصدد لعب دور الوسيط، بل تريد فقط منع وصول التوتر إلى نقطة يصعب التراجع عنها".

فهم مضطرب

من جهته، اعتبر الخبير المختص بشؤون شرق آسيا، مايكل هوانغ، محلل الأمن الإقليمي الآسيوي، أن ردود الفعل الصينية على تصريحات تاكايتشي "مرتبطة بالسياق الداخلي بقدر ارتباطها بالسياق الإقليمي"، موضحاً خلال حديثه لـ"إرم نيوز" أن القيادة الصينية تستخدم الملفات الخارجية أحياناً لتثبيت صورة القوة تجاه الجمهور المحلي، خاصة عندما يتعلق الأمر بتايوان أو اليابان.

أخبار ذات علاقة

رئيسة الوزراء اليابانية ساناي تاكايتشي

"لا أساس لها".. اليابان ترفض رسالة صينية إلى الأمم المتحدة

وأشار هوانغ إلى أن واشنطن، من خلال موقفها الحذر، "ترسل رسائل متوازنة للطرفين"، لكنها في الوقت نفسه تترك مساحة مفتوحة لتقديرات كل عاصمة، وهو ما يخلق برأيه "هشاشة في القراءة المتبادلة". وأضاف أن طوكيو تخشى أن تُفسّر بكين هذا الحذر الأمريكي على أنه ضعف في القدرة على الردع، فيما تخشى بكين أن تستغل اليابان أي دعم أمريكي إضافي لتوسيع دورها الأمني.

ورأى هوانغ أن "المسألة، الآن، تتعلق بكيفية تفسير كل طرف لحجم التزام الطرف الآخر، وليس بالتحركات الميدانية".

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC