تعيش منطقة آسيا–المحيط الهادئ واحدة من أكثر لحظاتها توترًا منذ عقود، بعد تصريحات رئيسة الوزراء اليابانية ساناي تاكايتشي التي أكدت فيها أن أي هجوم صيني على تايوان يعد "تهديدًا مباشرًا لبقاء اليابان".
هذا الربط الصريح بين مصير تايوان والأمن القومي الياباني شكّل نقطة تحوّل خطيرة، وردّت عليه الصين بلهجة حادة، في مشهد يعيد إلى الواجهة التنافس الجيوسياسي المتصاعد بين بكين وطوكيو وواشنطن، بحسب صحيفة "يوراسيان تايمز".
تصعيد غير مسبوق
تلميح تاكايتشي إلى تفعيل حق الدفاع الجماعي عن النفس بموجب تشريعات الأمن لعام 2015 لم يكن مجرد خطاب سياسي، بل هو مؤشر واضح على استعداد اليابان للمشاركة عسكريًا في أي صراع محتمل حول تايوان.
تقع الجزيرة على مقربة خطيرة من الأراضي اليابانية، أي نحو 110 كيلومترات فقط من يوناجوني و170 كيلومترًا من جزر سينكاكو المتنازع عليها.
سارعت بكين إلى الرد؛ إذ اعتبر وزير الخارجية وانغ يي أن موقف طوكيو يمثل "تجاوزًا لخط أحمر".
وقدمت البعثة الصينية لدى الأمم المتحدة مذكرة شديدة اللهجة، تؤكد أن أي تدخل عسكري ياباني في قضية تايوان سيُعد "عملًا عدوانيًا" يستدعي ردًا دفاعيًا من الصين.
وبموازاة التصعيد الدبلوماسي، تحركت بكين ميدانيًا عبر سلسلة خطوات ضاغطة، مثل تعليق واردات المأكولات البحرية اليابانية، وتحليق طائرات مسيّرة فوق جزيرة يوناجوني، ودفع سفن خفر السواحل إلى مياه سينكاكو، في رسائل مباشرة تهدف إلى زيادة الضغط على طوكيو.
وفي الوقت ذاته، دخلت الولايات المتحدة على الخط بشكل غامض. الرئيس الصيني شي جين بينغ اتصل بدونالد ترامب لطلب "حماية النظام الدولي"، بينما تحدثت تاكايتشي أيضًا مع الرئيس الأمريكي.
اللافت أن ترامب تجنّب ذكر تايوان بعد مكالمة شي في منشوره عبر "Truth Social"، ما أثار تساؤلات حول نية واشنطن الحفاظ على ضبابية استراتيجية تجاه الأزمة.
حسابات الأمن القومي الياباني
تستند مخاوف اليابان إلى معادلة جغرافية واستراتيجية معقدة، إذ يمر 95% من واردات النفط اليابانية عبر مضيق تايوان، ما يجعل استقرار الجزيرة مسألة حياة أو موت اقتصاديًا.
كما أن سقوط تايوان بيد الصين سيعيد رسم موازين القوى في غرب المحيط الهادئ بالكامل، ويفتح الطريق أمام البحرية الصينية للتحرك بحرية باتجاه غوام وهاواي، مع تهديد مباشر للجناح الجنوبي لليابان.
في هذا السياق، تعتمد طوكيو على شراكتها الدفاعية مع الولايات المتحدة، التي تلزم واشنطن بحماية اليابان وفق المادة الخامسة لاتفاقية الأمن الثنائية.
وبالتالي، فإن أي مواجهة حول تايوان ستتحول تلقائيًا إلى اختبار للتحالف الأمريكي–الياباني، وربما إلى صراع متعدد الأطراف.
تؤكد اليابان هذه الرؤية من خلال برنامج إعادة التسلح الأكثر طموحًا منذ الحرب العالمية الثانية، متضمنًا صواريخ بعيدة المدى ونشر دفاعات جديدة في يوناجوني، في تحول لافت عن عقود من السياسة السلمية.
اليابان مفتاح النصر في حرب تايوان
أظهرت سلسلة من تقارير الحرب التي أجراها مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) أن اليابان ليست مجرد دولة مجاورة، بل العنصر الحاسم في أي دفاع تقوده الولايات المتحدة عن تايوان. في 24 سيناريو مختلفا، خلص التقرير إلى أن الصين ستخسر الحرب على الأرجح، والبحرية الصينية ستنهار تقريبًا بالكامل، وحاملتي طائرات أمريكيتين ستُغرقان، وستخرج قوات الجانبين في حالة إنهاك شديد.
الأهم أن المشاركة اليابانية كانت شرطًا أساسيًا لنجاح الدفاع في 22 من أصل 24 سيناريو.
اعتمدت القوات الأمريكية على قواعد يابانية مثل يوكوسوكا وكادينا وميساوا للانطلاق، وتزويد الغواصات والقاذفات بالوقود والذخائر. ودون تلك القواعد، كانت الصواريخ الصينية المضادة للوصول (A2/AD) قادرة على عزل تايوان وإحباط التدخل الأمريكي.
لعبت اليابان دورًا دفاعيًا مباشرًا يشمل حماية المجال الجوي، الحرب المضادة للغواصات، ودعم الإمداد الطبي واللوجستي.
وخلص التقرير إلى أن اليابان تمثل "مضاعف قوة لا غنى عنه"، وأن واشنطن لا تستطيع خوض حرب ناجحة دفاعًا عن تايوان دون انخراط طوكيو.
تكشف الأزمة الحالية أن تايوان أصبحت مرآة لصراع أوسع بين الصين والولايات المتحدة، لكن اليابان هي الحلقة التي ستحدد مسار الأحداث.
فمع تصاعد إعادة التسلح، ووضوح موقف تاكايتشي، واستمرار الضغوط الصينية، تدخل المنطقة مرحلة جديدة تتقاطع فيها الجغرافيا مع الجيوسياسة، حيث يمكن لشرارة صغيرة في مضيق تايوان أن تشعل مواجهة بين القوى الكبرى في المحيط الهادئ.