logo
العالم
خاص

"صفقة النحاس".. كيف استطاعت إندونيسيا ليّ ذراع ترامب بـ"الذهب الأحمر"؟

"صفقة النحاس".. كيف استطاعت إندونيسيا ليّ ذراع ترامب بـ"الذهب الأحمر"؟
لرئيس الإندونيسي برابوو سوبيانتو ونظيره الأمريكي دونالد ت...المصدر: رويترز
05 أغسطس 2025، 8:11 ص

في أعقاب مفاوضات مشحونة ورفيعة المستوى مع الرئيس الإندونيسي برابوو سوبيانتو، سارع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى إعلان انتصار مدوٍّ، مشيدا بأن سياسات الرسوم الجمركية الصارمة التي انتهجها قد حققت اختراقا استراتيجيا للولايات المتحدة، عبر ضمان الوصول الكامل إلى قطاع المعادن الإندونيسي الضخم، وبخاصة احتياطات النحاس الحيوية.

لكن خلف هذا الانتصار المُعلن، تدور رواية أكثر تعقيدا، فبعيدا عن خطاب النصر الأمريكي، اتبعت جاكرتا دبلوماسية صناعية ذكية ومحسوبة، تراها إنجازا سياديا لا تنازلا، فإندونيسيا اليوم لم تعد تقبل أن تُعامل كمنجم مفتوح لتصدير الخام فقط، بل باتت تسعى لأن تكون قوة تصنيع تعديني إقليمية.

أخبار ذات علاقة

طائرة مقاتلة من طراز (قآن)

إندونيسيا تشتري 48 طائرة "قآن" من تركيا وتطلب مقاتلات من عدة دول

 

منجم الذهب الأحمر

تُعد إندونيسيا سابع أكبر دولة في العالم من حيث احتياطي النحاس، بواقع يُقدَّر بـ21 مليون طن متري. وقد بدأت بهدوء في إعادة تعريف دورها في الاقتصاد العالمي، خصوصا وسط السباق الدولي المحموم نحو تأمين المعادن الاستراتيجية.

وفي عام 2024، قاربت إندونيسيا الولايات المتحدة من حيث الإنتاج الفعلي، حيث سجّلت 1.1 مليون طن من النحاس المنتج، وهو رقم لافت يعكس تنامي نفوذها المعدني. لكن الفارق الجوهري يكمن في أن الولايات المتحدة لا تزال تعتمد بشكل كبير على واردات النحاس، لا سيما من أمريكا اللاتينية، بينما تسير إندونيسيا في الاتجاه المعاكس.

وفرضت جاكرتا حظرا شاملا على تصدير الخامات المعدنية غير المعالجة، بما في ذلك مُركّزات النحاس، مشترطة ألا يُصدّر النحاس إلا في شكل مُكرّر على الأقل (كاثودات). وهي خطوة استراتيجية تهدف إلى تعزيز القيمة المضافة داخليا، وتحفيز الاستثمار الصناعي المحلي، وبناء قاعدة صناعية تعدينية مستقلة.

كما تملك إندونيسيا احتياطيا يتراوح بين 21 إلى 24 مليون طن من النحاس؛ ما يضعها ضمن أكبر 10 دول عالميا في هذا القطاع.

وفي عام 2023، بلغ إنتاجها حوالي 1.1 مليون طن، متساوية تقريبا مع الإنتاج الأمريكي، وتربعت في المرتبة السادسة عالميا.

ويُعد منجم غراسبيرغ العملاق حجر الزاوية في هذه المنظومة؛ إذ أنتج أكثر من 418 ألف طن من النحاس خلال الربع الرابع من عام 2024 فقط، إلى جانب كميات ضخمة من الذهب والفضة.

في تحوّل لافت من تصدير الخام إلى تصنيع القيمة، دشّنت شركة PT Freeport Indonesia "مصهراً" جديداً في مدينة غريسيك بجاوة الشرقية، بقيمة 3.7 مليار دولار، بقدرة معالجة تصل إلى 1.7 مليون طن من مركزات النحاس سنويا، وتحويلها إلى نحو 650 ألف طن من كاثود النحاس.

من المتوقع أن يبلغ إنتاج "المصهر" 400 ألف طن من النحاس المعالج بحلول نهاية عام 2024. ويُعتبر هذا المشروع أكبر مصهر أحادي الخط في العالم، ويعكس سياسة جاكرتا الصارمة: حظر تصدير الخامات والتركيز فقط على النحاس المعالج.

وترتكز الرؤية الإندونيسية على ما هو أبعد من مجرد تنظيم سوق التعدين، بل على فرض السيادة الكاملة على السلسلة الصناعية. ومنذ استحواذ الحكومة على الحصة الكبرى في شركة PT Freeport Indonesia عام 2018، باتت صاحبة القرار الأول في صناعة النحاس الوطنية.

بالتوازي، أطلقت شركات مثل Amman Mineral مشاريع مصاهر جديدة بسعة معالجة تصل إلى 900 ألف طن سنويا؛ ما يعزز بنية تحتية متكاملة تؤسس لصناعة نحاسية مستدامة، ومُسيطر عليها محليا.

النحاس في قلب الجغرافيا السياسية

بينما اعتبرت واشنطن الصفقة خطوة نحو تقليل الاعتماد على الصين في المعادن الاستراتيجية، أظهرت جاكرتا رؤية أكثر توازنا، تقوم على التعاون الدولي المشروط بمعايير واضحة: الاستدامة، والسيادة، والشراكة المتكافئة.

وفي خضم السباق العالمي على المعادن الحيوية الداعمة للثورة التكنولوجية الخضراء، تقدم إندونيسيا نفسها اليوم كقوة متوسطة تمتلك الموارد، والرؤية، والقدرة على فرض شروطها في السوق العالمية.

عندما تتحوّل الموارد إلى نفوذ

إندونيسيا لا تكتفي بتصدير النحاس، بل تسعى لامتلاك مفتاح اللعبة الصناعية. وبينما يحتفل ترامب بانتصار تفاوضي، تكتب جاكرتا قواعد جديدة: نعم للتعاون، لكن على أرضية سيادية تُبقي قرار التكرير والتصدير والإدارة بين أيديها.

بهذا التحول، تُظهر إندونيسيا أن من يملك المواد الخام ليس بالضرورة الحلقة الأضعف؛ بل من يملك الرؤية هو من يصوغ المستقبل.

 

 

;
logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC