في أحدث تطورات الأزمة السياسية الفرنسية، استقال رئيس الوزراء سيباستيان ليكورنو بعد 836 دقيقة، (28 يوما) فقط من توليه المنصب، مسجلا رقما قياسيا في قصر مدة الحكومة.
كان ليكورنو وعد بـ"القطيعة" مع السياسات الحكومية السابقة، لكنه سرعان ما أصبح رمزا لاستمرار التمسك بالرئاسة في ظل برلمان منقسم ثلاثيا بين أقصى اليمين القومي، واليسار المتطرف، ووسط ضعيف ينهار أمام نفوذ ماكرون.
وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز" فإن نتيجة ذلك، كانت سلسلة خمس حكومات خلال 21 شهرا، تعكس فوضى مستمرة تضرب استقرار الجمهورية الخامسة، وتجعل من الصعوبة بمكان إيجاد حل سياسي سريع يرضي جميع الأطراف.
ويبدو أن فرنسا تواجه اليوم انسدادا سياسيا ودستوريا غير مسبوق، يعيد إلى الأذهان سنوات الجمود التي سبقت تأسيس الجمهورية الخامسة في 1958.
يواجه ماكرون تحديا مزدوجا: ضغوط أقصى اليسار للاستقالة، ومطالب أقصى اليمين بإجراء انتخابات برلمانية مبكرة.
وتظهر أرقام الجمعية الوطنية الانقسام الحاد؛ فحزب التجمع الوطني المناهض للهجرة يملك 138 مقعدا من أصل 577، فيما يتوزع باقي المقاعد على اليسار المتطرف والوسط.
ويجعل هذا الانقسام تمرير أي تشريع إصلاحي، مثل رفع سن التقاعد من 62 إلى 64 عاما، شبه مستحيل؛ كما يبدو أن الجمود السياسي أصبح جزءا من المشهد الطبيعي، حيث لا توجد أغلبية واضحة للرئيس أو المعارضة؛ ما يزيد من عدم الاستقرار المالي والسياسي في آنٍ واحد.
وأشار محللون إلى أن استمرار هذا الانقسام قد يؤدي إلى إلغاء أو تعديل قوانين مهمة، ويدفع الحكومة إلى مواجهة تحديات اقتصادية جسيمة، خاصة مع ارتفاع العجز المالي إلى مستويات قياسية.
على الرغم من الاحتفاظ بصلاحيات دستورية واسعة، يجد الرئيس ماكرون نفسه محاصرا. أمامه عدة خيارات صعبة، منها الاستمرار بالاعتماد على حكومة مؤقتة بقيادة ليكورنو، على أمل إيجاد "منصة عمل واستقرار للبلاد؛ أو حل البرلمان وإجراء انتخابات برلمانية جديدة، وهو ما قد يقوي حزب التجمع الوطني ويعقد المشهد أكثر.
كما يمكن أن يكلّف شخصية من يسار الوسط بمحاولة تشكيل حكومة جديدة، وهي خطوة محفوفة بالمخاطر وسط الانقسامات الحادة.
وقد وصف المحللون الوضع بأنه "انسداد تام"، مع تزايد الشعور بأن أولويات الوطن تتطلب إعادة النظر في النظام الحالي، في ظل فقدان الثقة بين القوى السياسية وقاعدة ماكرون الشعبية.
تتجاوز الأزمة الحالية السياسة اليومية لتصل إلى اختبار دستوري للجمهورية الخامسة؛ فالنظام الفرنسي يعتمد على أغلبية واضحة لدعم الرئيس أو معارضته، لكن البرلمان الحالي منقسم بشكل غير مسبوق؛ ما يجعل الاستقرار مؤقتا وضعيفا.
وبينما يصر ماكرون على الاحتفاظ بالسلطة، يشعر عدد متزايد من الفرنسيين بأن الحل الأمثل قد يكون إعادة تشكيل النظام السياسي أو العودة إلى صناديق الاقتراع لتحديد إرادة الشعب.
في هذا السياق، تحولت الأزمة من مجرد توترات سياسية إلى اختبار جوهري لكيفية إدارة السلطة في الجمهورية الخامسة في مواجهة البرلمان المنقسم والضغوط الاقتصادية والاجتماعية.