إعلام فلسطيني: غارات إسرائيلية متفرقة على قطاع غزة تقتل 13 فلسطينيا خلال الساعات الأخيرة

logo
العالم

من دونيتسك إلى دنيبرو.. روسيا تنقل المعركة إلى قلب أوكرانيا

من دونيتسك إلى دنيبرو.. روسيا تنقل المعركة إلى قلب أوكرانيا
قوات روسية في أوكرانياالمصدر: (أ ف ب)
12 يونيو 2025، 12:13 م

في خطوة تُعد الأولى من نوعها منذ اندلاع الحرب، تخطّت وحدات من فوج الدبابات الروسي الـ90 الحدودَ الإدارية الغربية لمنطقة دونيتسك، متجهةً نحو أطراف دنيبروبتروفسك، الواقعة في قلب أوكرانيا.

وتُعدّ هذه المحافظة أول منطقة وسطى تصل إليها القوات الروسية منذ بداية الحرب، ما يمثل أول اختراق بري من الشرق باتجاه وسط البلاد. ويُعد ذلك تطورًا لافتًا يُنذر بتحول استراتيجي كبير في مسار الصراع، خاصة في مناطق ذات كثافة سكانية عالية.

ويأتي هذا التوغّل في لحظة سياسية شديدة الحساسية، إذ تشهد العلاقات بين موسكو وكييف توترًا ملحوظًا بشأن ملفات التفاوض، لا سيما ملف تبادل آلاف الجثامين العالقة على خطوط التماس.

ورغم تأكيد أوكرانيا أن الاشتباكات لا تزال محصورة ضمن حدود دونيتسك، فإن موسكو تواصل الدفع بقواتها نحو مناطق لم تُعلن مسبقًا نيتها ضمها؛ ما يعكس تحولًا تدريجيًا في نهجها العسكري واتساعًا في رقعة المواجهات.

وتُظهر التقديرات أن القوات الروسية باتت على مقربة من حدود منطقة دنيبروبتروفسك، التي تُعد مركزًا صناعيًا واستراتيجيًا للنقل العسكري، رغم أن المسافة التي تفصلها عن مدينة دنيبرو –عاصمة المنطقة– لا تزال تتجاوز 140 كيلومترًا.

وفي ظل هذا التقدم، يزداد المشهد تعقيدًا، إذ يطرح هذا الاختراق تساؤلاتٍ جوهرية حول ما إذا كنا نشهد بداية مرحلة جديدة في الحرب تتجاوز الخطوط الحمراء السابقة، في وقت تتعثر فيه محاولات الوساطة وتتأزم ملفات تبادل الجثث بين الطرفين.

اختراق استراتيجي يغيّر قواعد الاشتباك

يرى خبراء أن التقدم الروسي الأخير نحو أطراف دنيبروبتروفسك يشكل تحولًا استراتيجيًا غير مسبوق في خريطة الصراع، إذ تنقل هذه الخطوة المعارك من الشرق إلى قلب أوكرانيا الصناعي واللوجستي، ما يهدد بشكل مباشر البنية الدفاعية لكييف، ويدفعها إلى مواجهة ميدانية غير متوقعة في محور جديد.

وأشار الخبراء، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، إلى أن هذا التقدم يتجاوز البعد العسكري الصرف، ويتقاطع مع لحظة ضعف واضحة لدى الجانب الأوكراني، إضافة إلى تردد متزايد في مواقف الحلفاء الغربيين، لا سيما في ظل اقتراب الاستحقاقات الانتخابية في أوروبا والولايات المتحدة. هذا الواقع يعزز الموقف التفاوضي الروسي ويفرض وقائع جديدة على الأرض يصعب تجاهلها.

كما لفتوا إلى أن موسكو تستثمر هذا التقدم الميداني في الضغط على كييف بملف تبادل جثامين الجنود، في ظل اتهامات أوكرانية بالمماطلة في تسلم ما يقارب 6000 جثمان متكدسة على الحدود.

وتُعد هذه الورقة الإنسانية الحساسة وسيلة ضغط مركبة، تجمع بين الأبعاد السياسية والعاطفية، وتتزامن مع تصعيد عسكري روسي شمل ضربات صاروخية كثيفة على البنية التحتية ومواقع تمركز المرتزقة، في رسالة واضحة بأن الكرملين عازم على المضي قدمًا في الحسم العسكري، مع إطلاق رسائل تفاوضية صارمة بأن تجاهل المطالب الروسية سيكلف أوكرانيا خسائر فادحة، وربما تهديدًا لاستقلالها ذاته.

نقطة تحول في مسار الحرب

وقال ديميتري بريجع، مدير وحدة الدراسات الروسية في مركز الدراسات العربية الأوراسية، إن التقدم الروسي نحو دنيبروبتروفسك يمثل نقطة تحول مفصلية في مسار الحرب، مؤكدًا أن هذا التحرك لا يُعبّر فقط عن توسيع نطاق العمليات، بل يشير إلى انتقال موسكو إلى مرحلة جديدة من الصراع بأهداف أكثر طموحًا واستراتيجية أوسع نطاقًا.

وأوضح بريجع، في تصريحاته لـ"إرم نيوز"، أن هذا التوغل يأتي في توقيت دقيق، حيث تعاني الجبهة الأوكرانية من إنهاك واضح، في وقت تتصاعد فيه مؤشرات التردد الغربي في تقديم دعم مستدام، خصوصًا مع اقتراب الانتخابات في أوروبا والولايات المتحدة.

وأشار إلى أن دنيبروبتروفسك ليست مجرد منطقة جغرافية، بل تُعد شريانًا صناعيًا ولوجستيًا يربط شرق أوكرانيا بوسطها، وتمثل عصبًا حيويًا في عمليات الإمداد والدعم العسكري؛ ما يجعلها هدفًا استراتيجيًا بالغ الأهمية.

وأضاف بريجع أن اقتراب القوات الروسية من هذه المنطقة يُهدد المنظومة الدفاعية الأوكرانية برمتها، ويدفع القيادة العسكرية إلى إعادة التمركز؛ ما قد يربك الجبهات الأخرى ويضعف قدرة كييف على الصمود المتوازي في عدة محاور.

وأكد أن الأبعاد السياسية للتقدم الروسي لا تقل أهمية عن الجوانب الميدانية، حيث تهدف موسكو إلى إعادة رسم قواعد اللعبة وتثبيت معادلات جديدة على الأرض، مع توظيف هذه الأوراق في ملفات التفاوض وتبادل الجثامين بطريقة محسوبة وذات مغزى رمزي عميق.

أوراق تفاوضية وتوقيت محسوب

وأشار بريجع إلى أن موسكو تستثمر لحظة الوهن الأوكراني وتذبذب الدعم الغربي، مع بروز أحاديث متكررة حول الحاجة إلى تسوية سياسية وحصر سقف الدعم العسكري الغربي، مؤكدًا أن ما تحققه روسيا على الأرض اليوم سيكون محور المفاوضات غدًا، سواء في العلن أو خلف الكواليس.

ونوّه إلى أن البعد النفسي المصاحب لهذا التقدم لا يقل تأثيرًا، خاصة مع ارتباطه بملف الجثامين، الذي تستخدمه موسكو كورقة ضغط رمزية لإيصال رسالة مفادها أن "حتى الموتى ليسوا خارج الحسابات".

واختتم بريجع تصريحاته بالقول إن التحرك العسكري الروسي يُعد اختبارًا حقيقيًا لمدى استعداد أوكرانيا للتعامل مع جبهة جديدة وغير تقليدية، بعد أن ظلت تركز جهودها العسكرية على محاور مثل باخموت وأفدييفكا. وأكد أن "عنصر المفاجأة الاستراتيجية" قد يكون له تأثير كبير في إعادة تشكيل الجبهات.

 

رهان أوكراني خاسر وتجاهل مستمر

من جهته، قال الدكتور سمير أيوب، المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية، إن الرهان على أن بدء المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا سيؤدي تلقائيًا إلى تهدئة أو وقف للقتال هو رهان خاسر، في ظل تجاهل كييف المستمر للمطالب الروسية الجوهرية.

وأضاف أيوب، في تصريحاته لـ"إرم نيوز"، أن هناك مماطلة واضحة من الجانب الأوكراني في مفاوضات إسطنبول، لا سيما في ملف تبادل الأسرى والجثث، رغم المبادرات الروسية بتسليم نحو 6000 جثمان لجنود أوكرانيين سقطوا في المعارك الأخيرة.

ورأى أن رفض كييف تسلم الجثامين يضعها في موقف سياسي وإنساني حرج، كما يترتب عليها أعباء مالية تجاه ذوي القتلى، في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعاني منها البلاد منذ أشهر.

وأوضح أيوب أن روسيا قامت بتحميل جثث الجنود على قطارات تقف على الحدود بانتظار تسلمها، لكن الجانب الأوكراني لا يزال يرفض، ما يعكس ارتباكًا داخليًا وهشاشة في الموقف الرسمي.

تصعيد مدروس وسيناريوهات مفتوحة

أكد الخبير في الشؤون الروسية أن موسكو لا تمانع الجلوس إلى طاولة التفاوض، لكنها في المقابل تواصل التصعيد الميداني على أكثر من جبهة، مستخدمة صواريخ ثقيلة وطويلة المدى مثل "إسكندر" لاستهداف مواقع استراتيجية للبنية التحتية وتجمعات المرتزقة الأجانب.

وأشار إلى أن هذا التصعيد جاء ردًا على هجمات أوكرانية وصفها الكرملين بـ"الإرهابية"، استهدفت محطات سكك حديدية داخل الأراضي الروسية، مما منح موسكو الذريعة لتوسيع رقعة عملياتها.

وشدّد أيوب على أن أوكرانيا فقدت معظم أوراق الضغط، فيما تتقدم القوات الروسية بشكل متوازن في محاور رئيسية مثل دونيتسك وسومي ودنيبروبتروفسك؛ ما يمنح موسكو أفضلية لفرض واقع جديد يعزز موقعها التفاوضي ويرفع من كلفة تأجيل التسوية.

وختم بالقول إن موسكو ترى أن كييف لا تزال رهينة الضغوط الغربية، وأن الوعود الأوروبية بشأن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي أو تلقي مساعدات عسكرية ليست سوى أدوات لإطالة أمد الصراع، مضيفًا: "إذا استمرت كييف في تجاهل الحقائق، فقد تجد نفسها أمام سيناريو يهدد وجودها كدولة مستقلة ويضع مستقبلها على المحك".

;
logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC