أثار التحرك الأخير للطائرات والمقاتلات الروسية تساؤلات حول أهداف موسكو الإستراتيجية، وسط انقسام المواقف الأوروبية حول كيفية الرد على الخروقات الجوية.
ويرى محللون أن روسيا توجه رسائل سياسية لضغط أوروبا واختبار صبر الناتو، بينما يشير آخرون إلى أن هذه الادعاءات الأوروبية لا تستند إلى أدلة، وأن روسيا تتحرك ضمن أجواء دولية قانونية.
وأكد كارزان حميد، المحلل السياسي والخبير في الشؤون الدولية، أن ما تقوم به روسيا من خروقات عبر المقاتلات أو الطائرات المسيرة يمكن اعتباره حتى اللحظة رسائل سياسية وليست خطوات عسكرية مباشرة، متسائلاً:"لماذا تلجأ موسكو إلى هذه الخروقات المدروسة؟ هل تستعد لتوسيع الحرب خارج أوكرانيا، أم أنها تختبر صبر الناتو الأوروبي؟".
وأشار حميد، في حديث لـ"إرم نيوز"، إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يسعى إلى فرض شروطه السياسية والعسكرية على كييف بالقوة، ضاربًا عرض الحائط بمحاولات وقف إطلاق النار منذ العام 2022.
وأضاف أن "بوتين يستغل تطورات غزة والمواقف الدولية لتوظيفها في صالحه، ما يضع أوروبا في زاوية ضيقة قد تجبرها على طلب العون من واشنطن، في وقت يكرر فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن بلاده لن تدعم الأوروبيين مجانًا".
وأوضح حميد أن التحركات الروسية تمثل أيضًا ضغطًا متزايدًا على أوروبا، وأن الانقسام القائم بين العواصم الأوروبية يعقّد المشهد، خاصة أن بريطانيا وفرنسا تميلان إلى خيار التدخل العسكري المباشر، وإن اختلفتا في آلياته، وفي المقابل تفل ألمانيا الاكتفاء بالدعم المالي والعسكري دون انخراط مباشر.
وحذّر حميد من أن بطء اتخاذ القرار الأوروبي يمنح بوتين فرصة لفرض واقع ميداني جديد، خاصة في دول البلطيق أو المحيط الشرقي للناتو، ما قد يثير شرارة مواجهة عسكرية كبرى هي الأخطر منذ الحرب العالمية الثانية.
ولفت إلى أن التحركات الأوروبية الأخيرة للاعتراف بدولة فلسطين تزيد المشهد تعقيدًا، حيث تهدد العلاقات التقليدية بين أوروبا وواشنطن، وتترك القارة مكشوفة أكثر أمام الضغوط الروسية.
وأضاف كارزان حميد، أن ما يحدث ليس بعيدًا عن توازنات أكبر، إذ قد تكون الحرب الروسية – الأوكرانية مجرد مقدمة لاستنزاف القوى الكبرى، تمهيدًا لصراع محتمل بين الولايات المتحدة والصين سيحدد شكل النظام الدولي الجديد، سواء عبر حرب شاملة أو نزاعات موضعية داخل أوروبا.
وفي المقابل، رفض سمير أيوب، المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية، هذه الاتهامات الأوروبية، مؤكدًا أنها غير صحيحة وتفتقر إلى الأدلة.
وقال في حديث لـ"إرم نيوز"، إن موسكو أعلنت بوضوح أن طائراتها لم تخترق أجواء تلك الدول، وأن المسارات الجوية الروسية – سواء للطائرات العسكرية أو المدنية – تتم في أجواء دولية فوق بحر البلطيق، في مناطق رمادية لم يُحسم بعد وضعها القانوني.
وأوضح أيوب أن الهدف من هذه الادعاءات هو شيطنة روسيا وإظهارها كقوة توسعية، إضافة إلى تكريس سردية أن بوتين يسعى إلى إحياء الاتحاد السوفيتي.
واعتبر أن هذه الحملات تهدف كذلك إلى استدعاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لاتخاذ مواقف أكثر صرامة ضد موسكو، في وقت تجنب فيه فرض عقوبات مباشرة وترك الأمر للدول الأوروبية، بل طالبها بوقف استيراد النفط الروسي عبر أطراف ثالثة، مثل: الصين، والهند، وباكستان.
وأشار أيوب إلى أن هذه الاتهامات ليست جديدة، مستشهدًا بمزاعم إستونيا الأخيرة بشأن اختراق الطائرات الروسية لمجالها الجوي، والتي وصفها بأنها باطلة، موضحًا أن إستونيا تستغل الغموض القانوني لبعض الجزر في بحر البلطيق لتوجيه اتهامات متكررة إلى موسكو.
وحذّر من أن التصعيد المستمر يخدم أوكرانيا ودول البلطيق التي تحاول الظهور بمظهر "المستضعف المهدد" لتبرير زيادة الوجود العسكري للناتو في المنطقة.
ولفت إلى أن التصعيد يسير في اتجاهين متوازيين، الأول يهدف إلى الضغط على روسيا وتخفيف العبء عن أوكرانيا، والثاني يسعى إلى تبرير نشر مزيد من القوات والأسلحة الغربية قرب الحدود الروسية، وهو ما ظهر في تصريحات بولندا بشأن استعدادها لاستضافة أسلحة نووية أمريكية.
وأشار أيوب إلى أن انضمام فنلندا والسويد إلى الناتو يزيد من حجم التهديدات المحيطة بروسيا، مؤكدًا أن الغرب يحاول محاصرتها عسكريًا بعدما فشل في إضعافها سياسيًا أو اقتصاديًا.
وقال المحلل السياسي، إنه لا ترامب ولا أي إدارة أمريكية أخرى ستغامر بخوض صراع مباشر مع روسيا، مثلما أن موسكو لا مصلحة لها في مواجهة عالمية شاملة.
ورأى أن "استفزازات الناتو لا تعدو كونها وسيلة ضغط تكرّر ما حدث مع الاتحاد السوفيتي سابقًا، لكنها لن تنجح مع روسيا التي تعلمت من أخطاء الماضي، خاصة بعد تجربة التسعينيات التي كشفت لها أن الغرب لا يزال يتعامل معها بفوقية ويسعى إلى تحجيم دورها".