اعتبر خبراء أن تنفيذ المقاتلات البريطانية "التايفون" أول طلعة دفاع جوي فوق بولندا ضمن مهمة "الحارس الشرقي"، يمثل رسالة مباشرة لموسكو بأن حلف شمال الأطلسي "الناتو" لن يسمح بأي اختراق لأجوائه أو تهديد لأمنه.
وبيّنوا في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن الخطوة البريطانية تعكس انتقال الرد الغربي من مستوى التصريحات إلى الحضور العسكري الفعلي، في إطار إعادة رسم خطوط الردع في شرق أوروبا وإنهاء مرحلة التساهل مع التمدد الروسي.
وأضاف الخبراء أن تلك التحركات تأتي بينما يتوسع الصدام الروسي الأوروبي تدريجيًا مع تقدم الجيش الروسي في أوكرانيا، وهو ما يدفع الغرب إلى عسكرة أوروبا وتهيئة الرأي العام لمواجهة محتملة مع موسكو.
وعبرت مؤخرًا مسيرات روسية إلى المجال البولندي، ما دفع وارسو لتفعيل دفاعاتها الجوية وإسقاطها، وأثار مخاوف من انتقال الحرب إلى داخل حدود الناتو، ما دفع بـ"الناتو" لإطلاق عملية "الحارس الشرقي" لتعزيز الردع الجوي والبري والبحري على الجبهة الشرقية.
وقال إلكسندر زاسبكين، الدبلوماسي الروسي السابق، إن الخطوة البريطانية تمثل "رسالة واضحة ومباشرة إلى روسيا"، وذلك ردًا على الخروقات الروسية المتكررة في عدد من دول شرق أوروبا.
وأضاف لـ"إرم نيوز"، أن "الرسائل الروسية باتت تُقابل بحضور أوروبي حقيقي ومباشر"، مشيرًا إلى أن الأوروبيين يدركون تمامًا أن أي تقاعس أو تراجع في مواجهة التحركات الروسية يعني عمليًا إعطاء الضوء الأخضر لموسكو لإعادة تشكيل خريطة شرق أوروبا وفق مصالحها.
وأوضح الروسي زاسبكين أن "التحرك الأوروبي الأخير يؤكد أن دول الناتو لن تقبل بأي اختراق لأراضيها أو تهديد لأمنها"، مؤكدًا أن روسيا، رغم تصعيدها الإعلامي والعسكري، ليست مستعدة للدخول في مواجهة مباشرة مع الحلف.
وذكر أن "بريطانيا لا تمثل نفسها فقط في هذا التحرك، بل تعني بشكل غير مباشر الولايات المتحدة الأمريكية أيضًا"، ما يعني أن أي هجوم على القوات البريطانية سيُعتبر تصعيدًا تجاه واشنطن كذلك.
ومضى زاسبكين قائلًا: "علينا أن نقرأ هذه التحركات في سياق إستراتيجي أوسع، ما يحدث اليوم هو إعادة رسم لخطوط الردع في أوروبا. الناتو يبعث برسالة مفادها أن زمن التساهل مع التمدد الروسي قد انتهى، وأن المعادلات الجديدة تُرسم في السماء وعلى الأرض معًا".
ورجح أن يستمر النزاع داخل الأراضي الأوكرانية، دون أن يتوسع إلى مواجهات مباشرة بين روسيا ودول الحلف، ولا سيما أن روسيا تدرك أن مهاجمة بريطانيا تعني عمليًا إعلان حرب على الولايات المتحدة وهو خيار لا تملكه.
من جانبه، قال إبراهيم كابان، مدير شبكة "الجيو استراتيجي" للدراسات، إن المواجهة بين روسيا وأوروبا تتوسع تدريجيًا كلما حقق الجيش الروسي تقدمًا على الساحة الأوكرانية.
وأوضح لـ"إرم نيوز"، أن التقدم الروسي يدفع الأطراف الغربية ولا سيما الأوروبية، إلى اتخاذ خطوات تهدف إلى إطالة أمد الحرب، بالتوازي مع تحضيرات إستراتيجية تمهّد لصدام مباشر محتمل مع موسكو خلال السنوات المقبلة.
وأضاف كابان، أن عسكرة أوروبا أصبحت هدفًا واضحًا للقيادات الغربية، التي تعمل على خلق الأجواء النفسية والإعلامية اللازمة لذلك، لافتًا إلى أن الأوساط الحاكمة في أوروبا وأوكرانيا تعتمد على سلسلة من الاستفزازات المتعمدة بهدف تحميل روسيا مسؤولية التوتر وشيطنتها في الرأي العام العالمي.
ونوه إلى أن الهجمات المتكررة للطائرات المسيّرة، وكذلك ما يُوصف بانتهاكات الطيران الروسي للأجواء الأوروبية، تحولت إلى أخبار يومية معتادة في وسائل الإعلام الغربية، تغذيها دوائر القرار السياسي من أجل الدفع باتجاه قرارات مثل مهمة "الحارس الشرقي"، التي تُعد أحد أوجه التصعيد العسكري الأوروبي.
وأكد الخبير كابان، أن هذه اللعبة الغربية محكوم عليها بالفشل لأسباب واضحة، أبرزها أن روسيا، لن تبادر بأي عمل عسكري ضد دول أوروبا، إلا إذا كانت هناك هجمات مباشرة ضدها، عندها فقط سيكون الرد الروسي حاسمًا.
والسبب الثاني، وفقًا لكابان، فيتمثل بأن روسيا تتفوق عسكريًا على أوروبا بشكل كبير، لافتًا إلى أن أي مغامرة عسكرية من طرف الأوروبيين ستؤدي إلى كارثة حتمية للقارة الأوروبية، وهو ما يدركه صناع القرار الغربيون، حتى وإن لم يعلنوه صراحة.
وأوضح أن المواقف الأمريكية اليوم تختلف عن السابق، مشيرًا إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لا يظهر رغبة في الانخراط في مغامرات عسكرية خارجية لحساب الأوروبيين، وهو ما يُضعف من ثقة أوروبا في الحصول على دعم غير مشروط من واشنطن في حال التصعيد مع موسكو.
وذكر كابان أن الغرب يحاول إشعال فتيل حرب واسعة، لكنه غير مستعد لتحمل نتائجها، خاصة وأن روسيا تتحرك بوعي استراتيجي عميق، وتُدرك مخاطر الانزلاق إلى مواجهة مفتوحة، لكن في حال فُرض عليها الصدام، فإن الرد سيكون ساحقًا، خاصة وأن الأوروبيين لا يملكون استقلالية القرار، ويتصرفون تحت ضغط مصالحهم وتحالفاتهم، رغم معرفتهم بأنهم سيكونون أول من يدفع الثمن.