كشفت أرقام رسمية حديثة، أن خطة التعافي الاقتصادي التي تنتهجها أنقرة في السنوات القليلة الماضية، لن تحقق هدفها في خفض التضخم للمستوى المنشود الذي من شأن الوصول إليه أن يحفز أنقرة لتنظيم انتخابات رئاسية مبكرة.
ويتيح تنظيم انتخابات مبكرة قبل موعدها المقرر في منتصف عام 2028، للرئيس رجب طيب أردوغان، الترشح لولاية ثالثة على أساس أن ولايته الثانية الحالية لم تكتمل، وبالتالي لن يخالف الدستور الذي يحدد حق الترشح بولايتين رئاسيتين.
وظل أردوغان وحزبه الحاكم، العدالة والتنمية، يرفضون الدعوة لانتخابات مبكرة منذ آذار/ مارس العام الماضي عندما صارت تلك الانتخابات هدفاً لحزب الشعب الجمهوري المعارض، والمنتشي باكتساح الانتخابات البلدية بالتزامن مع تزايد شعبيته في استطلاعات الرأي.
لكن عدم تجهيز الحزب الحاكم، شخصية بديلة لخلافة أردوغان في انتخابات 2028، ترك توقعات كثيرة بأنه سيترشح لولاية ثالثة من باب الانتخابات المبكرة، إذا تزامنت مع خفض نسبة التضخم لخانة الآحاد بعد أن أرهق غلاء المعيشة كاهل العائلات التركية متوسطة ومنخفضة الدخل والتي تشكل شريحة ناخبين رئيسية اعتمد عليها الحزب الحاكم مراراً.
سجل معدل التضخم السنوي في أسعار المستهلكين تراجعاً طفيفاً في تشرين الأول/أكتوبر الماضي عند 32.87% مقابل 33.29% في سبتمبر/ أيلول وفق بيانات معهد الإحصاء التركي الرسمي.
وأقرَّ وزير الخزانة والمالية التركي، محمد شيمشيك، في تعليق عبر "إكس" على تلك النتائج، بأن التضخم السنوي انخفض في أكتوبر/ تشرين الأول بشكل طفيف، لكنه توقع استمرار انخفاض التضخم في الفترة القادمة.
وكان شيمشيك قد استبعد قبيل صدور أرقام التضخم في أكتوبر/ تشرين الأول، تحقيق هدف التضخم المتوقع في نهاية العام بين 25 و29%، واصفاً ذلك الهدف بأنه صعب التحقيق وفق ما ورد في التقرير الفصلي الثالث للبنك المركزي التركي.
واستعان أردوغان عام 2023 بشيمشيك، وهو أكاديمي مخضرم وزير مالية سابق، لإدارة اقتصاد البلاد بعدما وصل التضخم لمستويات قياسية بلغت الذي بلغ 65% في نهاية عام 2023.
وتخطط الحكومة التركية للوصول لرقم تضخم من خانة واحدة عام 2027، ونجح شيمشيك في خفض الرقم إلى نحو 32.9% حتى الآن، لكن عدم تحقيق هدف العام الحالي قد يطيل مدة الوصول لهدف الخانة الواحدة الذي يمتد لموعد الانتخابات في يونيو/ حزيران 2028.
كما أن أرقام التضخم المعلنة، تقابل بتشكيك من قبل اقتصاديين مستقلين، يقولون إن واقع القدرة الشرائية للأسر مختلف عن تلك النتائج، وأن الغلاء لا يزال هو المسيطر على قرارات الشراء للأسر التي تعاني من دخول منخفضة.
رشح حزب العدالة والتنمية، في العام 2019، رئيس الحكومة السابق، بن علي يلدريم، لينافس مرشح حزب الشعب الجمهوري المعارض، أكرم إمام أوغلو على رئاسة بلدية إسطنبول، لكنه خسر أمامه رئاسة بلدية أكبر مدينة تركية وأكثرها تأثيراً في مسار الانتخابات والسياسة التركية.
وفي الدورة التالية، اختار الحزب الحاكم، وزير البيئة، مراد كوروم، لينافس إمام أوغلو على رئاسة البلدية مجدداً، لكنه مني بالخسارة أيضاً في انتخابات العام الماضي، وظلت البلدية التي تدير مدينة عدد سكانها 16 مليون نسمة، بيد المعارضة.
وجاء أردوغان إلى الحياة السياسية التركية من رئاسة بلدية إسطنبول في تسعينيات القرن الماضي، قبل أن يتصدر المشهد منذ العام 2002، عندما قاد حزبه الناشئ حينها لرئاسة الحكومة وظل يقود البلاد منذ ذلك الحين بعدما فاز في جميع الانتخابات التي شهدتها تركيا وآخرها فوزه بالانتخابات الرئاسية عام 2023، دون أن يبرز بديل له من داخل الحزب، وقادر على هزيمة المعارضة.
بدءاً من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، يتيح الدستور التركي إجراء انتخابات برلمانية فرعية مبكرة بعد مرور 30 شهراً على انتخابات شهر مايو/ أيار لعام 2023، والتي أفضت لفوز أردوغان بالرئاسة على حساب منافسه من حزب الشعب الجمهوري، كمال كليتشدار أوغلو.
وتريد المعارضة التركية تنظيم تلك الانتخابات الآن، للاستفادة من شعبيتها التي انعكست في الانتخابات المحلية العام الماضي، واستغلال غضب الأسر التركية من غلاء المعيشة، وقبل الوصول لمستوى تضخم من خانة واحدة كما تخطط الحكومة التي تستهدف إرضاء الشرائح المتضررة من الغلاء.
وحددت المعارضة رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو مرشحاً لها من الآن، وكشفت أنه رئيس بلدية أنقرة، منصور يافاش، سيكون بديلاً له إذا لم يتمكن من خوض الانتخابات كونه مسجون ويحاكم في عدة قضايا يقول حزبه إنه تستهدف إبعاده عن منافسة أردوغان.
كما أنها تشترط تنظيم الانتخابات الآن أو في ربيع العام المقبل على أبعد تقدير، وإلا فإنها لن تدعم تنظيمها بعد ذلك الموعد، مستفيدة من كون الدعوة لانتخابات مبكرة تحتاج موافقة 3 أخماس أعضاء البرلمان (360 نائباً من أصل 600 نائب)، وهو ما لا يملكه التحالف الحكومي حالياً.
وقال زعيم حزب الشعب الجمهوري، أوزغور أوزيل، سابقاً، حول موقف حزبه من الانتخابات المبكرة: "إذا كان الرئيس أردوغان يخطط للترشح مجددا، فعليه ألا يتجاوز موعد نوفمبر/ تشرين الأول 2025، إذ لن نقبل بأي محاولة للترشح بعد هذا التاريخ".
لدى حزب العدالة والتنمية خيار آخر في ترشيح أردوغان لولاية ثالثة، عبر إقرار دستور جديد يجري الحديث عنه بالفعل على نطاق واسع ويتزامن مع عملية سلام وحل لحزب العمال الكردستاني وإلقاء مقاتليه للسلاح، مقابل إقرار تشريعات ودستور جديد يعزز الديمقراطية والمساواة في البلاد.
لكن إقرار الدستور يحتاج لتوافق برلماني أيضاً، قبل أن يطرح للاستفتاء الشعبي، ما يجعل من تضمين الدستور الجديد بنداً يتيح لأردوغان الترشح لولاية ثالثة، أمراً ترفضه المعارضة التركية التي يقودها حزب الشعب الجمهوري، ويؤيده في ذلك الموقف أحزاب أخرى تنادي بانتخابات مبكرة، وبينها حزب الرفاه من جديد" ذي الجذور الإسلامية.